الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: اختلاف الحديث ***
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَيَأْمُرُ بِصِيَامِهِ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ {كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ {سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ وَقَدْ أَخْرَجَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ يَقُولُ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ إنِّي صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَصُمْ}. أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ {هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ} أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ {ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ: كَانَ يَوْمًا يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ {مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَامَ يَوْمًا يَتَحَرَّى صِيَامَهُ فَضَّلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ مُخْتَلِفٌ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا شَيْئًا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ مِمَّا وَصَفْتُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْمُحَدِّثُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَائِشَةَ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَيَأْمُرُنَا بِصِيَامِهِ} لَوْ انْفَرَدَ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرْضًا وَذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ {النَّبِيَّ صَامَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ الْفَرِيضَةَ وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يَحْتَمِلُ قَوْلُ عَائِشَةَ تَرْكَ عَاشُورَاءَ مَعْنًى يَصِحُّ إلَّا تَرْكَ إيجَابِ صَوْمِهِ إذْ عَلِمْنَا أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمَفْرُوضُ صَوْمُهُ وَأَبَانَ لَهُمْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَتَرَكَ إيجَابَ صَوْمِهِ وَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ عِنْدَنَا لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ {أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ عَلَى النَّاسِ} وَلَعَلَّ عَائِشَةَ إنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ إلَى أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ قَالَتْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ النَّبِيَّ لَمَّا صَامَهُ وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ كَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا ثُمَّ نَسْخُهُ تَرْكُ أَمْرِهِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَ صَوْمَهُ وَلاَ أَحْسِبُهَا ذَهَبَتْ إلَى هَذَا وَلاَ ذَهَبَتْ إلَّا إلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ مُوَافِقٌ الْقُرْآنَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّوْمَ فَأَبَانَ أَنَّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَدَلَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ بِأَنْ لاَ فَرْضَ فِي الصَّوْمِ إلَّا رَمَضَانَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَامَ يَوْمَهُ يَتَحَرَّى فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ} كَأَنَّهُ يَذْهَبُ يَتَحَرَّى فَضْلَهُ فِي التَّطَوُّعِ بِصَوْمِهِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وَقَالَ فِي الطَّهَارَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ كُلِّهِ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَوْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ {رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ يُطْرَحُ فِيهَا الْكِلاَبُ وَالْحِيَضُ، فَقَالَ النَّبِيُّ إنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ}. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ} وَبِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ مَكَانَ وَلَغَ شَرِبَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا نَأْخُذُ وَلَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ يُخَالِفُ عِنْدَنَا وَاحِدًا أَمَّا حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَإِنَّ {بِئْرَ بُضَاعَةَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَاسِعَةٌ كَانَ يُطْرَحُ فِيهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ مَا لاَ يُغَيِّرُ لَهَا لَوْنًا وَلاَ طَعْمًا وَلاَ يَظْهَرُ لَهُ فِيهَا رِيحٌ فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا كَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُجِيبًا الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ} وَكَانَ جَوَابُهُ مُحْتَمِلاً كُلَّ مَاءٍ وَإِنْ قَلَّ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ فِي الْمَاءِ مِثْلُهَا إذَا كَانَ مُجِيبًا عَلَيْهَا فَلَمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ أَنْ يَغْسِلَ الْإِنَاءَ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا دَلَّ عَلَى أَنَّ جَوَابَ رَسُولِ اللَّهِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ عَلَيْهَا وَكَانَ الْعِلْمُ أَنَّهُ عَلَى مِثْلِهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا وَلاَ يَدُلُّ حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحْدَهُ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهَا مِنْ الْمَاءِ لاَ يَنْجُسُ وَكَانَتْ آنِيَةُ النَّاسِ صِغَارًا إنَّمَا هِيَ صُحُونٌ وَصِحَافٌ وَمَخَاضِبُ الْحِجَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْلَبُ فِيهِ وَيُشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ وَكَبِيرُ آنِيَتِهِمْ مَا يُحْلَبُ وَيُشْرَبُ فِيهِ فَكَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَدْرَ مَاءِ الْإِنَاءِ يَنْجُسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَهُ طَعْمًا وَلاَ رِيحًا وَلاَ لَوْنًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ مَا يُجَاوِزُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قَدْرَ مَاءِ بِئْرِ بُضَاعَةَ لاَ يَنْجُسُ فَكَانَ الْبَيَانُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْجُسُ وَبَيْنَ مَا لاَ يَنْجُسُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ وَانْقَطَعَ بِهِ الشَّكُّ فِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ {إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا} وَفِي الْحَدِيثِ بِقُلاَلِ هَجَرَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَدْ رَأَيْت قِلاَلَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقِرَبُ الْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كِبَارٌ لِعِزِّ الْمَاءِ بِهَا فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا وَذَلِكَ قُلَّتَانِ بِقُلاَلِ هَجَرَ. وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ {إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا} دَلاَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا لِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ إذَا لَمْ تَنْجَسَا لَمْ يَنْجُسْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَهَذَا يُوَافِقُ جُمْلَةَ حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَالدَّلاَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ حَمَلَ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَذَا لَمْ يَحْمِلْ النَّجَاسَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا حَمَلَ النَّجَاسَةَ وَمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مُوَافِقٌ جُمْلَةَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْ يَغْسِلَ الْإِنَاءَ مِنْ شُرْبِ الْكَلْبِ فِيهِ وَآنِيَةُ الْقَوْمِ أَوْ أَكْثَرُ آنِيَةِ النَّاسِ الْيَوْمَ صِغَارٌ لاَ تَسَعُ بَعْضَ قِرْبَةٍ، فَأَمَّا حَدِيثُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ {لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ} فَلاَ دَلاَلَةَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَلاَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا وَلاَ {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ} لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْنِي بِهِ الْمَاءَ الدَّائِمَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي بِهِ كُلَّ مَاءٍ دَائِمٍ دَلَّتْ السُّنَّةُ فِي حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي كُلِّ مَاءٍ دَائِمٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِيَارِ لاَ عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ كَمَا يَنْهَى الرَّجُلَ أَنْ يَتَغَوَّطَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَأْوِي إلَيْهَا النَّاسُ لِمَا يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ لاَ أَنَّ الْأَرْضَ مَمْنُوعَةٌ وَلاَ أَنَّ التَّغَوُّطَ مُحَرَّمٌ وَلَكِنْ مَنْ رَأَى رَجُلاً يَبُولُ فِي مَاءٍ نَاقِعٍ قَذَّرَ الشُّرْبَ مِنْهُ وَالْوُضُوءَ بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنْ جَعَلَتْ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ يُضَادُّ حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثَ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَجَعَلْته عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُ كُلَّ مَاءٍ دَائِمٍ قِيلَ فَعَلَيْك حُجَّةٌ أُخْرَى مَعَ الْحُجَّةِ بِمَا وَصَفْتُ فَإِنْ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قِيلَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً بَالَ فِي الْبَحْرِ أَيُنَجِّسُ بَوْلُهُ مَاءَ الْبَحْرِ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ، قِيلَ: مَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ دَائِمٌ وَقِيلَ لَهُ: أَفَتُنْجِسُ الْمَصَانِعَ الْكِبَارَ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَهِيَ مَاءٌ دَائِمٌ، وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ دَخَلَهُ عَلَيْهِ مَاءُ الْبَحْرِ فَإِنْ قَالَ وَمَاءُ الْبَحْرِ يُنَجِّسُ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ الْعَامَّةِ مَعَ خِلاَفِهِ السُّنَّةَ، وَإِنْ قَالَ لاَ هَذَا كَثِيرٌ، قِيلَ لَهُ: فَقُلْ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ مَا شِئْت لَمْ يَنْجُسْ فَإِنْ حَدَّدْته بِأَقَلَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ النَّجَاسَةِ قِيلَ لَك فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَدَحِ مَاءٍ فَإِنْ قُلْت يَنْجَسُ قِيلَ فَيُعْقَلُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ مَاءَانِ تُخَالِطُهُمَا نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ تُغَيِّرُ مِنْهُمَا شَيْئًا يُنَجِّسُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ تَعَبَّدَ الْعِبَادُ بِاتِّبَاعِهِ وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ وَالْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ يَنْجَسَ مَا دُونَ خَمْسِ قِرَبٍ وَلاَ يَنْجَسُ خَمْسُ قِرَبٍ فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا شَيْءٌ سِوَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يُقْبَلُ فِيهِ أَنْ يَنْجَسَ مَاءٌ وَلاَ يَنْجَسُ آخَرُ وَهُمَا لَمْ يَتَغَيَّرَا إلَّا أَنْ يُجْمِعَ النَّاسُ فَلاَ يَخْتَلِفُونَ فَتَتَبَّعْ إجْمَاعَهُمْ وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُحَرَّمٍ يُخَالِطُهُ لَمْ يَطْهُرْ الْمَاءُ أَبَدًا حَتَّى يُنْزَحَ أَوْ يُصَبَّ عَلَى مَاءٍ كَثِيرٍ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ طَعْمُ الْمُحَرَّمِ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ فَإِذَا ذَهَبَ فَعَادَ بِحَالِهِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ بِهَا طَهُورًا ذَهَبَتْ نَجَاسَتَهُ وَمَا قُلْتُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ كَانَ نَجَسًا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَجْهٍ لاَ يُثْبِتُ مِثْلَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ لاَ أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلاَفًا وَمَعْقُولٌ أَنَّ الْحَرَامَ إذَا كَانَ جُزْءًا فِي الْمَاءِ لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ كَانَ الْمَاءُ نَجَسًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَرَامَ إذَا مَاسَّ الْجَسَدَ فَعَلَيْهِ غَسْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ بِوُجُودِهِ فِي الْجَسَدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْمَاءِ فَيَكُونُ الْمَاءُ طَهُورًا وَالْحَرَامُ قَائِمٌ مَوْجُودٌ فِيهِ وَكُلُّ مَا وَصَفْتُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ الرَّاكِدُ فَأَمَّا الْجَارِي فَإِذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ فَجَرَى فَالْآتِي بَعْدُ مَا لَمْ تُخَالِطْهُ وَالنَّجَاسَةُ فَهُوَ لاَ يَنْجَسُ. وَإِذَا تَغَيَّرَ طَعْمُ الْمَاءِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ جَمِيعُ ذَلِكَ بِلاَ نَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ لَمْ يَنْجَسْ إنَّمَا يَنْجَسُ بِالْمُحَرَّمِ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُحَرَّمِ فَلاَ يَنْجَسُ بِهِ وَمَا وُصِفَ مِنْ هَذَا فِي كُلِّ مَا لَمْ يُصَبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ يُرِيدُ إزَالَتَهَا فَإِذَا صُبَّ عَلَى نَجَاسَةٍ يُرِيدُ إزَالَتَهَا فَحُكْمُهُ غَيْرُ مَا وَصَفْتُ اسْتِدْلاَلاً بِالسُّنَّةِ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا وَإِذَا أَصَابَتْ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ النَّجَاسَةُ فَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلاَثًا وَدُلِكَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَ وَإِنْ كَانَ مَا صُبَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ قَلِيلاً فَلاَ يَنْجَسُ الْمَاءُ بِمُمَاسَّةِ النَّجَاسَةَ إذَا أُرِيدَ بِهِ إزَالَتُهَا عَنْ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَوْ نَجَسَ بِمُمَاسَّتِهَا بِهَذِهِ الْحَالِ لَمْ يَطْهُرْ وَكَانَ إذَا غُسِلَ الْغَسْلَةَ الْأُولَى نَجَسَ الْمَاءُ ثُمَّ كَانَ فِي الْمَاءِ الثَّانِي يُمَاسُّ مَاءً نَجَسًا فَيَنْجَسُ وَالْمَاءُ الثَّالِثُ يُمَاسُّ مَاءً نَجَسًا فَيَنْجَسُ وَلَكِنَّهَا تَطْهُرُ بِمَا وَصَفْتُ وَلاَ يَجُوزُ فِي الْمَاءِ غَيْرُ مَا قُلْت لِأَنَّ الْمَاءَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ حَتَّى يَطْهُرَ مِنْهَا مَا مَاسَّهُ وَلاَ نَجِدُهُ يَنْجَسُ إلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمَاءَ يَنْجَسُ فِيهَا وَالدَّلاَلَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِخِلاَفِ حُكْمِ الْمَاءِ الْمَغْسُولِ بِهِ النَّجَاسَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ} وَهُوَ يُغْسَلُ سَبْعًا بِأَقَلَّ مِنْ قَدَحِ مَاءٍ وَفِي أَنَّ {النَّبِيَّ أَمَرَ بِدَمِ الْحَيْضَةِ يُقْرَصُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُغْسَلُ} وَهُوَ يُقْرَصُ بِمَاءٍ قَلِيلٍ وَيُنْضَحُ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَك فِي الْمَاءِ فَلَوْ قُلْت لاَ يَنْجَسُ الْمَاءُ بِحَالٍ لِلْقِيَاسِ عَلَى مَا وَصَفْتُ أَنَّ الْمَاءَ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ كَانَ قَوْلاً لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ رَدَّهُ وَلَكِنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ يَنْجَسُ بَعْضُهُ فَقُلْت لَهُ إنِّي زَعَمْته بِالْعَرْضِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فَأَدْخَلَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ {لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ} فَأَدْخَلْت عَلَيْهِ مَا وَصَفْت مِنْ إجْمَاعِ النَّاسِ فِيمَا عَلِمْته عَلَى خِلاَفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْهُ وَمِنْ مَاءِ الْمَصَانِعِ الْكِبَارِ وَالْبَحْرِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ حُجَّةٌ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ مَا عَلِمْتُكُمْ اتَّبَعْتُمْ فِي الْمَاءِ سُنَّةً وَلاَ إجْمَاعًا وَلاَ قِيَاسًا وَلَقَدْ قُلْتُمْ فِيهِ أَقَاوِيلَ لَعَلَّهُ لَوْ قِيلَ لِعَاقِلٍ تَخَاطَأَ فَقَالَ: مَا قُلْتُمْ لَكَانَ قَدْ أَحْسَنَ التَّخَاطُؤَ ثُمَّ ذَكَرْتَ فِيهِ الْحِجَجَ بِمَا ذَكَرْت مِنْ السُّنَّةِ وَقُلْتُ لَهُ: أَفِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ حُجَّةٌ؟ فَقَالَ: لاَ، وَقُلْت أَلَيْسَتْ تَثْبُتُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي وَصَفْت؟ فَقَالَ: أَمَّا حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَحَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْمَاءِ وَحَدِيثُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ فَتَثْبُتُ بِإِسْنَادِهَا وَحَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَيَثْبُتُ بِشُهْرَتِهِ وَأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فَقُلْت لَهُ: لَقَدْ خَالَفْتَهَا كُلَّهَا وَقُلْتَ قَوْلاً اخْتَرَعْتَهُ مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ خَارِجًا مِنْ الْقِيَاسِ فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت اُذْكُرْ الْقَدْرَ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ الْمَاءُ الرَّاكِدُ لَمْ يَنْجَسْ وَإِذَا نَقَصَ مِنْهُ الْمَاءُ الرَّاكِدُ نَجِسَ قَالَ: الَّذِي إذَا حُرَّك أَدْنَاهُ لَمْ يَضْطَرِبْ أَقْصَاهُ، فَقُلْت: أَقُلْت هَذَا خَبَرًا؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَقِيَاسًا-؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنْ مَعْقُولٌ أَنَّهُ يَخْتَلِطُ بِتَحْرِيكِ الْآدَمِيِّينَ وَلاَ يَخْتَلِطُ. قُلْت أَرَأَيْت إنْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ فَاخْتَلَطَ قَالَ إنْ قُلْت إنَّهُ يَنْجَسُ إذَا اخْتَلَطَ مَا تَقُولُ قُلْت أَقُولُ أَرَأَيْت رِجْلاً مِنْ الْبَحْرِ تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا فَتَأْتِي مِنْ أَقْصَاهَا إلَى أَنْ تَفِيضَ عَلَى السَّاحِلِ إذَا هَاجَتْ الرِّيحُ أَتَخْتَلِطُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْت أَفَتَنْجَسُ تِلْكَ الرِّجْلُ مِنْ الْبَحْرِ؟ قَالَ: لاَ وَلَوْ قُلْت تَنْجَسُ تَفَاحَشَ عَلَيَّ قُلْت فَمَنْ كَلَّفَك قَوْلاً يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ وَيُتَفَاحَشُ عَلَيْك فَلاَ تَقُومُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا؟ قَالَ فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ قُلْت فَيُقَالُ لَك أَيَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ مَاءَانِ خَالَطَتْهُمَا نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا لاَ يَنْجَسُ أَحَدُهُمَا وَيَنْجَسُ الْآخَرُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَدَحٍ؟ قَالَ: لاَ قُلْت: وَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ لاَ يَنْجَسَ شَيْءٌ إلَّا بِأَنْ يَتَغَيَّرَ بِحَرَامٍ خَالَطَهُ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ أَوْ يَنْجَسُ كُلُّهُ بَلْ مَا خَالَطَهُ؟ قَالَ مَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِيَاسِ إلَّا هَذَا وَلَكِنْ لاَ قِيَاسَ مَعَ خِلاَفِ خَبَرٍ لاَزِمٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْخَبَرَ اللَّازِمَ وَلَمْ تَقُلْ مَعْقُولاً وَلَمْ تَقِسْ وَزَعَمْت أَنَّ لَوْ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلاَثُونَ دَلْوًا ثُمَّ طُهِّرَتْ الْبِئْرُ فَإِنْ طُرِحَتْ تِلْكَ الْعِشْرُونَ أَوْ الثَّلاَثُونَ دَلْوًا فِي بِئْرٍ أُخْرَى لَمْ يُنْزَحْ مِنْهَا إلَّا عِشْرُونَ أَوْ ثَلاَثُونَ دَلْوًا وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ نُزِحَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ أَوْ سِتُّونَ دَلْوًا فَمَنْ وَقَّتَ لَك هَذَا فِي الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِطَعْمٍ حَرَامٍ وَلاَ لَوْنُهُ وَلاَ رِيحُهُ أَنْ يَنْجَسَ بَعْضُ الْمَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَيَنْجَسُ بَعْضُهُ أَمْ يَنْجَسُ كُلُّهُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْجَسُ كُلُّهُ. قُلْت أَفَرَأَيْت شَيْئًا قَطُّ يَنْجَسُ كُلُّهُ فَيَخْرُجُ بَعْضُهُ فَتَذْهَبُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْبَاقِي مِنْهُ أَتَقُولُ هَذَا فِي سَمْنٍ ذَائِبٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ لَيْسَ هَذَا بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا فِيهِ الْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا قُلْت أَفَتُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَقَدْ فَعَلْت وَخَالَفْت مَعَ ذَلِكَ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ زَعَمْت أَنَّ عَلِيًّا قَالَ إذَا وَقَعْت الْفَأْرَةُ فِي بِئْرٍ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعَةُ أَوْ خَمْسَةُ دِلاَءٍ وَزَعَمْت أَنَّهَا لاَ تَطْهُرُ إلَّا بِعِشْرِينَ أَوْ ثَلاَثِينَ وَزَعَمْت أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَحَ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ وَقَعَ فِيهَا وَأَنْتَ تَقُولُ يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ أَوْ سِتُّونَ دَلْوًا قَالَ فَلَعَلَّ الْبِئْرَ تَغَيَّرَتْ بِدَمٍ قُلْت نَحْنُ نَقُولُ إذَا تَغَيَّرَتْ بِدَمٍ لَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا حَتَّى لاَ يُوجَدَ فِيهَا طَعْمُ دَمٍ وَلاَ لَوْنُهُ وَلاَ رِيحُهُ وَهَذَا لاَ يَكُونُ فِي زَمْزَمَ وَلاَ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مَاءً مِنْهَا وَأَوْسَعُ حَتَّى يَنْزِحَ فَلَيْسَ لَك فِي هَذَا شَيْءٌ وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ ثَابِتٍ وَقَدْ خَالَفْتهمَا لَوْ كَانَ ثَابِتًا وَزَعَمْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ جُنُبًا فَدَخَلَ فِي بِئْرٍ يَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ نَجَسَ الْبِئْرُ وَلَمْ يَطْهُرْ ثُمَّ هَكَذَا إنْ دَخَلَ ثَانِيَةً ثُمَّ يَطْهُرُ الثَّالِثَةَ فَإِذَا كَانَ يَنْجَسُ أَوَّلاً ثُمَّ يَنْجَسُ ثَانِيَةً وَكَانَ نَجِسًا قَبْلَ دُخُولِهِ أَوَّلاً وَلَمْ يَطْهُرْ بِهَا وَلاَ ثَانِيَةً أَلَيْسَ قَدْ ازْدَادَ فِي قَوْلِك نَجَاسَةً فَإِنَّهُ كَانَ نَجَسًا بِالْجَنَابَةِ ثُمَّ زَادَ نَجَاسَةً بِمُمَاسَّةِ الْمَاءِ النَّجِسِ فَكَيْفَ يَطْهُرُ بِالثَّالِثَةِ وَلَمْ يَطْهُرْ بِالثَّانِيَةِ قَبْلَهَا وَلاَ بِالْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لاَ يَطْهُرُ أَبَدًا. قُلْت وَذَلِكَ يَلْزَمُك قَالَ يُتَفَاحَشُ وَيُتَفَاحَشُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ قُلْت فَمَنْ كَلَّفَك خِلاَفَ السُّنَّةِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ؟ وَقُلْت لَهُ وَزَعَمْت أَنَّك إنْ أَدْخَلْت يَدَك فِي بِئْرٍ تَنْوِي بِهَا أَنْ تُوَضِّئَهَا نَجِسَتْ الْبِئْرُ كُلُّهَا لِأَنَّهُ مَاءٌ تُوَضِّئُ بِهِ وَلاَ تَطْهُرُ حَتَّى تُنْزَحَ كُلُّهَا وَإِذَا سَقَطَتْ فِيهَا مَيْتَةٌ طَهُرَتْ بِعِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ ثَلاَثِينَ دَلْوًا فَزَعَمْت أَنَّ الْبِئْرَ بِدُخُولِ الْيَدِ الَّتِي لاَ نَجَاسَةَ فِيهَا تَنْجَسُ كُلُّهَا فَلاَ تَطْهُرُ أَبَدًا وَأَنَّهَا تَطْهُرُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِعِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ ثَلاَثِينَ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ زَعَمَ أَنَّ يَدَ مُسْلِمٍ تَنْجَسُ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْجِسُهُ الْمَيْتَةُ وَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ وَلاَ يَنْوِي وُضُوءًا طَهُرَتْ يَدُهُ لِلْوُضُوءِ وَلَمْ تَنْجَسْ الْبِئْرُ أَوْ رَأَيْت أَنْ لَوْ أَلْقَى فِيهَا جِيفَةً لاَ يَنْوِي تَنْجِيسَهَا أَوْ يَنْوِيهِ أَوْ لاَ يَنْوِي شَيْئًا أَذَلِكَ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ النَّجَاسَةُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَنِيَّتُهُ لاَ تَصْنَعُ فِي الْمَاءِ شَيْئًا قُلْت: وَمَا خَالَطَهُ إمَّا طَاهِرٌ وَإِمَّا نَجَسٌ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ نِيَّتَهُ فِي الْوُضُوءِ تُنْجِسُ الْمَاءَ إنِّي لاََحْسِبُكُمْ لَوْ قَالَ هَذَا غَيْرُكُمْ لَبَلَغْتُمْ بِهِ إلَى أَنْ تَقُولُوا الْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ، فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ قَوْلُ الْحِجَازِيِّينَ فِي الْمَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا وَقَوْلُنَا فِيهِ خَطَأٌ قُلْت وَأَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ هَذَا فِيهِ قَالَ قَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ إلَى قَوْلِكُمْ نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِكُمْ قُلْت، وَمَا زَادَ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِنَا قُوَّةً وَلاَ وَهَنَهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَمَا فِيهِ مَعْنًى إلَّا أَنَّك تَرْوِي عَنْهُ مَا تَقُولُ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَنْ يُقِيمَ عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ يَرَاهُ خَطَأً قُلْت لَهُ زَعَمْت أَنَّ رَجُلاً إنْ وَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لِصَلاَةٍ وَلاَ نَجَاسَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلاَ يَدَيْهِ فِي طَسْتٍ نَظِيفٍ فَإِنْ أَصَابَ الْمَاءُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الطَّسْتِ ثَوْبَهُ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَإِنْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُنَجِّسْهَا وَيُصَلَّى عَلَيْهَا رَطْبَةً كَمَا هِيَ ثُمَّ إنْ صُبَّ فِي بِئْرٍ نَجَّسَ الْبِئْرَ كُلَّهَا وَلَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُنْزَحَ مَاؤُهَا كُلُّهُ وَلَوْ أَنَّ قَدْرَ الْمَاءِ الَّذِي وَضَّأَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ كَانَ فِي إنَاءٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ نَجَّسَتْهُ وَإِنْ مَسَّ ثَوْبًا نَجَّسَهُ وَوَجَبَ غُسْلُهُ وَإِنْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا رَطْبَةً وَإِنْ صُبَّ فِي بِئْرٍ طَهُرَتْ الْبِئْرُ بِأَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلاَثُونَ دَلْوًا أَزَعَمْت أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ أَكْثَرُ نَجَاسَةً مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ؟ قَالَ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ قَوْلَكُمْ فِي الْمَاءِ قُلْت أَفَتَرْجِعُ إلَى الْحَسَنِ فَمَا عَلِمْته رَجَعَ إلَيْهِ وَلاَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تُرَأَّسَ مِنْهُمْ بَلْ عَلِمْت مَنْ ازْدَادَ مِنْ قَوْلِنَا فِي الْمَاءِ بُعْدًا فَقَالَ: إذَا وَقَعْت فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ لَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُحْفَرَ تَحْتَهَا بِئْرٌ فَيُفَرَّغَ مَاؤُهَا فِيهَا وَيُنْقَلَ طِينُهَا وَيُنْزَعَ بِنَاؤُهَا وَتُغْسَلَ مَرَّاتٍ. وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ قَوْلَهُمْ هَذَا وَفِي هَذَا مِنْ خِلاَفِ السُّنَّةِ وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لاَ يَجْهَلُهُ عَالِمٌ وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَذَهَبَ إلَى بَعْضِ قَوْلِهِمْ فِي الْمَاءِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لاَ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ الْكَلْبِ سَبْعًا وَيَكْفِي فِيهِ دُونَ سَبْعٍ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَافَقَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَأَنْ يُهْرَقَ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ بِالْبَادِيَةِ فِي اللَّبَنِ شُرِبَ اللَّبَنُ وَأُكِلَ وَغُسِلَ الْإِنَاءُ لِأَنَّ الْكِلاَبَ لَمْ تَزَلْ بِالْبَادِيَةِ فَشَغَلَنَا الْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ عَمَّا وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ. أَرَأَيْت إذْ زَعَمَ أَنَّ الْكَلْبَ يَلَغُ فِي اللَّبَنِ فَيَنْجَسُ الْإِنَاءُ بِمُمَاسَّةِ اللَّبَنِ الَّذِي مَاسَّهُ لِسَانُ الْكَلْبِ حَتَّى يُغْسَلَ فَكَيْفَ لاَ يَنْجَسُ اللَّبَنُ وَإِذَا نَجِسَ اللَّبَنُ فَكَيْفَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَإِنْ قَالَ: لاَ يَنْجَسُ اللَّبَنُ فَكَيْفَ يَنْجَسُ الْإِنَاءُ بِمُمَاسَّةِ اللَّبَنِ وَاللَّبَنُ غَيْرُ نَجَسٍ أَوْ رَأَيْت قَوْلَهُ مَا زَالَتْ الْكِلاَبُ بِالْبَادِيَةِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِالْبَادِيَةِ لاَ تَنْجَسُ وَإِذَا كَانَتْ بِالْقَرْيَةِ نَجِسَتْ أَتَرَى أَنَّ الْبَادِيَةَ تُطَهِّرُهَا أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْفَأْرُ وَالْوِزْغَانُ بِالْقَرْيَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْكِلاَبِ بِالْبَادِيَةِ وَأَقْدَمَ مِنْهَا أَوْ فِي مِثْلِ قِدَمِهَا أَوْ أَحْرَى أَنْ لاَ يَمْتَنِعَ مِنْهَا أَفَرَأَيْت إذَا وَقَعَتْ فَأْرَةٌ أَوْ وَزْغٌ أَوْ بَعْضُ دَوَابِّ الْبُيُوتِ فِي سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ أَيُنَجِّسُهُ؟ قَالَ فَإِنْ قَالَ لاَ يُنَجِّسُهُ فِي الْقَرْيَةِ لِأَنَّهُ لاَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَعْضِ آنِيَتِهِمْ وَيُنَجِّسُهُ فِي الْبَادِيَةِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ قَوْلَيْهِ وَزَادَ فِي الْخَطَأِ. وَإِنْ قَالَ: يُنَجِّسُهُ قِيلَ فَكَيْفَ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْكَلْبِ فِي الْبَادِيَةِ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ يَضْبِطُونَ أَوْعِيَتَهُمْ مِنْ الْكِلاَبِ ضَبْطًا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مِنْ الْفَأْرَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُمْ يوكئون عَلَى أَلْبَانِهِمْ الْقِرَبَ وَيَقِلُّ حَبْسُهُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لاَ يَبْقَى لَهُمْ وَلاَ يَبْقَوْنَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا لاَ يُدَّخَرُ وَيُكْفِئُونَ عَلَيْهِ الْآنِيَةَ وَيَزْجُرُونَ الْكِلاَبَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَضْرِبُونَهَا فَتَنْزَجِرُ وَلاَ يُسْتَطَاعُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْفَأْرَةِ وَلاَ دَوَابِّ الْبُيُوتِ بِحَالٍ وَأَهْلُ الْبُيُوتِ يَدَّخِرُونَ إدَامَهُمْ وَأَطْعِمَتَهُمْ لِلسَّنَةِ وَأَكْثَرَ فَكَيْفَ قَالَ هَذَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكَيْفَ جَازَ لِمَنْ قَالَ مَا أَحْكِي أَنْ يَعِيبَ أَحَدًا بِخِلاَفِهِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ عَيْبًا يُجَاوِزُ فِيهِ الْقَدْرَ، وَاَلَّذِي عَابَهُ لَمْ يَعْدُ أَنْ رَدَّ الْأَخْبَارَ وَلَمْ يَدَعْ مِنْ قَبُولِهَا مَا يَكْتَرِثُ بِهِ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ آخَرَ اسْتَتَرَ مَنْ رَدِّ الْأَخْبَارَ وَوَجَّهَهَا وُجُوهًا تَحْتَمِلُهَا أَوْ تَشَبَّهَ بِهَا فَعِبْنَا مَذْهَبَهُمْ وَعَابَهُ ثُمَّ شَرَكَهُمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ فَرَدَّ هَذَا مِنْ الْأَخْبَارِ بِلاَ وَجْهٍ تَحْتَمِلُهُ وَزَادَ إنْ ادَّعَى الْأَخْبَارَ وَهُوَ يُخَالِفُهَا وَفِي رَدِّ مَنْ تَرَكَ أَسْوَأَ السِّرِّ وَالْعَلاَنِيَةِ مَا لاَ يُشْكِلُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ}. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا}، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا} وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ}، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ نَامَ عَنْ الصُّبْحِ فَصَلَّاهَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَالَ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {أَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}}، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ فَقَالَ أَلاَ رَجُلٌ صَالِحٌ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ لاَ نَرْقُدُ عَنْ الصَّلاَةِ فَقَالَ بِلاَلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ فَاسْتَنَدَ بِلاَلٌ إلَى رَاحِلَتِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ قَالَ فَلَمْ يَفْزَعُوا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ فِي وُجُوهِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا بِلاَلُ فَقَالَ بِلاَلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك قَالَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ اقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَّصِلاً مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ نَسِيَ الصَّلاَةَ أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا} وَيَزِيدُ الْآخَرُ أَيَّ حِينٍ مَا كَانَتْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرَ النَّاسِ شَيْئًا فَلاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ}. أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ وَزَادَ عَطَاءٌ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ يَا بَنِي هَاشِمٍ أَوْ يَا بَنِي مَنَافٍ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ سَمِعَتْ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ {قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ إذْ قَالَ يَا كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ اذْهَبْ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَلْهَا عَنْ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَذَهَبْت مَعَهُ وَبَعَثَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ مَعَنَا فَقَالَ اذْهَبْ وَاسْتَمِعْ مَا تَقُولُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَجَاءَهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لاَ عِلْمَ لِي وَلَكِنْ اذْهَبْ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَلْهَا قَالَ فَذَهَبْنَا مَعَهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى عِنْدِي رَكْعَتَيْنِ لَمْ أَكُنْ أَرَاهُ يُصَلِّيهِمَا فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْت صَلاَةً لَمْ أَكُنْ أَرَاك تُصَلِّيهَا فَقَالَ إنِّي كُنْت أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ صَدَقَةً فَشَغَلُونِي عَنْهُمَا فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ}. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ قَيْسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَيْسٍ قَالَ {رَآنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ فَقَالَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ يَا قَيْسُ؟ فَقُلْت إنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَسَكَتَ عَنِّي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ بَعْدَ هَذَا اخْتِلاَفٌ فِي الْحَدِيثِ بَلْ بَعْضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى بَعْضٍ فَجِمَاعُ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ مَا تَبْدُوَ حَتَّى تَبْزُغَ وَعَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ مَغِيبِ بَعْضِهَا حَتَّى يَغِيبَ كُلُّهَا وَعَنْ الصَّلاَةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ عَلَى كُلِّ صَلاَةٍ لَزِمَتْ الْمُصَلِّي بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ تَكُونُ الصَّلاَةُ مُؤَكَّدَةً فَأَمَرَ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا أَوْ صَلاَةً كَانَ الرَّجُلُ يُصَلِّيهَا فَأَغْفَلَهَا فَإِذَا كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ صُلِّيَتْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ إجْمَاعِ النَّاسِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيْنَ الدَّلاَلَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قِيلَ فِي قَوْلِهِ {مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {أَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}} وَأَمَرَهُ أَنْ لاَ يُمْنَعَ أَحَدٌ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِيمَا رَوَتْ {أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى فِي بَيْتِهَا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَشُغِلَ عَنْهُمَا بِالْوَفْدِ فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ} لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَشُغِلَ عَنْهُمَا قَالَ، وَرَوَى {قَيْسٌ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ رَآهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُمَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَأَقَرَّهُ} لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مُؤَكَّدَتَانِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ لاَ تَلْزَمُ فَأَمَّا كُلُّ صَلاَةٍ كَانَ يُصَلِّيهَا صَاحِبُهَا فَأَغْفَلَهَا أَوْ شُغِلَ عَنْهَا وَكُلُّ صَلاَةٍ أُكِّدَتْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْكُسُوفِ فَيَكُونُ نَهْيُ النَّبِيِّ فِيمَا سِوَى هَذَا ثَابِتًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَنِصْفَ النَّهَارِ وَمِثْلِهِ إذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ وَبَرَزَ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَهْيٌ وَاحِدٌ قَالَ وَهَذَا مِثْلُ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاَةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَأَنَّ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ التَّجْهِيزَ لِلْجُمُعَةِ وَالصَّلاَةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ وَهَذَا مِثْلُ الْحَدِيثِ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ قَبْلَ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمَ رَجُلٍ كَانَ يَصُومُهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا وَغَيْرُهُمْ فَقَالَ يُصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تُقَارِبْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ وَمَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُشْبِهُ بَعْضَ مَا قَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَابْنُ عُمَرَ إنَّمَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ النَّهْيَ أَنْ يَتَحَرَّى أَحَدٌ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَمْ أَعْلَمْهُ رُوِيَ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلاَ بَعْدَ الصُّبْحِ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ مُطْلَقٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَنَهَى عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ لِأَنَّهَا صَلاَةٌ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَصَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْهُ رُوِيَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ نَهَى عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ كَمَا نَهَى عَنْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَعْلَمَ مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهَا فِيمَا لاَ يَلْزَمُ وَمَنْ رَوَى فَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَشُغِلَ عَنْهُمَا وَأَقَرَّ قَيْسًا عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ نَهَى عَنْهَا فِيمَا لاَ يَلْزَمُ وَلَمْ يَنْهَ الرَّجُلَ عَنْهَا فِيمَا اعْتَادَ مِنْ صَلاَةِ النَّافِلَةِ وَفِيمَا يُؤَكَّدُ مِنْهَا وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا عَلَيْهِ وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ إلَّا بِمَا قُلْنَا بِهِ أَوْ يَنْهَى عَنْ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَهَبَ أَيْضًا إلَى أَنْ لاَ يُصَلِّيَ أَحَدٌ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلاَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ نَظَرَ فَلَمْ يَرَ الشَّمْسَ طَلَعَتْ فَرَكِبَ حَتَّى أَنَاخَ بِذِي طُوًى فَصَلَّى. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَإِنْ كَانَ عُمَرُ كَرِهَ الصَّلاَةَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَهُوَ مِثْلُ مَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ فَرَأَى نَهْيَهُ مُطْلَقًا فَتَرَكَ الصَّلاَةَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ هَذَا أَنْ يَقُولَ لاَ صَلاَةَ فِي جَمِيعِ السَّاعَاتِ الَّتِي نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلاَةِ فِيهَا لِطَوَافٍ وَلاَ عَلَى جِنَازَةٍ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ فِيهَا صَلاَةً فَائِتَةً وَذَلِكَ مِنْ حِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَى أَنْ تَبْرُزَ الشَّمْسُ وَحِينَ يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَى أَنْ يَتِمَّ مَغِيبُهَا وَنِصْفَ النَّهَارِ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ سَمِعَ {النَّبِيَّ يَنْهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ أَوْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِحَاجَةٍ الْإِنْسَانِ} قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ صُنِعَتْ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ يَقُولُ لاَ تُسْتَقْبَلُ الْقِبْلَةُ وَلاَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَقَالَ {رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: عَلِمَ أَبُو أَيُّوبَ النَّهْيَ فَرَآهُ مُطْلَقًا وَعَلِمَ ابْنُ عُمَرَ اسْتِقْبَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَاجَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ فَرَدَّ النَّهْيَ وَمَنْ عَلِمَهُمَا مَعًا قَالَ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّحْرَاءِ الَّتِي لاَ ضَرُورَةَ عَلَى ذَاهِبٍ فِيهَا وَلاَ سِتْرَ فِيهَا لِذَاهِبٍ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ سَاحَةٌ يَسْتَقْبِلُهُ الْمُصَلِّي أَوْ يَسْتَدْبِرُهُ فَتُرَى عَوْرَتُهُ إنْ كَانَ مُقْبِلاً أَوْ مُدْبِرًا وَقَالَ لاَ بَأْسَ بِذَاكَ فِي الْبُيُوتِ لِضِيقِهَا وَحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْمِرْفَقِ فِيهَا وَسَتْرِهَا وَأَنَّ أَحَدًا لاَ يَرَى مَنْ كَانَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ أَوْ يُشْرِفَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّيَا مَرِيضَيْنِ قَاعِدَيْنِ بِقَوْمٍ أَصِحَّاءَ فَأَمَرَاهُمْ بِالْقُعُودِ مَعَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلِمَا أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ} فَأَخَذَا بِهِ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِمَا وَلاَ شَكَّ أَنْ قَدْ عَزَبَ عَلَيْهِمَا أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ إلَى جَنْبِهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ قِيَامًا} فَنَسَخَ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ بِالْجُلُوسِ وَرَاءَهُ إذْ صَلَّى شَاكِيًا جَالِسًا وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَنْ يَصِيرَ إلَى أَمْرِ النَّبِيِّ الْآخِرِ إذْ كَانَ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ أَوْ إلَى أَمْرِ النَّبِيِّ الدَّالِّ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ النَّاسَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مَحْصُورٌ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ} وَكَانَ يَقُولُ بِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرُهُمَا فَلَمَّا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْهُ عِنْدَ الدَّافَّةِ ثُمَّ قَالَ {كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا}، وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ {عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ قَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَتَصَدَّقُوا} كَانَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَنْ يَقُولَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ لِمَعْنًى فَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ أَرْخَصَ فِيهِ بَعْدَهُ وَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلٌّ قَالَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ عَلَى مَعْنًى دُونَ مَعْنًى أَوْ نَسَخَهُ فَعَلِمَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَعْلَمْ غَيْرَهُ فَلَوْ عَلِمَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ صَارَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ كَثِيرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا وَضَعْت هَذِهِ الْجُمْلَةَ لِتَدُلَّ عَلَى أُمُورٍ غَلِطَ فِيهَا بَعْضُ مَنْ نَظَرَ فِي الْعِلْمِ لِيَعْلَمَ مِنْ عِلْمِهِ أَنَّ مِنْ مُتَقَدِّمِي الصُّحْبَةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَالْأَمَانَةِ مَنْ يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّيْءَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَعَلَّهُ لاَ يُقَارِبُهُ فِي تَقَدُّمِ صُحْبَتِهِ وَعِلْمِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ عِلْمَ خَاصِّ السُّنَنِ إنَّمَا هُوَ عِلْمٌ خَاصٌّ بِمَنْ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ عِلْمَهُ لاَ أَنَّهُ عَامٌّ مَشْهُورٌ كَشُهْرَةِ الصَّلاَةِ وَجُمَلِ الْفَرَائِضِ الَّتِي كُلِّفَتْهَا الْعَامَّةُ وَلَوْ كَانَ مَشْهُورًا شُهْرَةَ جُمَلِ الْفَرَائِضِ مَا كَانَ الْأَمْرُ فِيمَا وَصَفْت مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ كَمَا وَصَفْت وَيُعْلَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ ثُبُوتُهُ وَأَنْ لاَ نُعَوِّلَ عَلَى حَدِيثٍ لِيَثْبُتَ إنْ وَافَقَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يُرَدُّ لِأَنَّ عَمَلَ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ عَمَلاً يُخَالِفُهُ لِأَنَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ حَاجَةً إلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِمْ اتِّبَاعُهُ لاَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ تَبِعَ مَا رُوِيَ عَنْهُ وَوَافَقَهُ يَزِيدُ قَوْلَهُ شِدَّةً وَلاَ شَيْئًا خَالَفَهُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ يُوهِنُ مَا رَوَى عَنْهُ الثِّقَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَفْرُوضَ اتِّبَاعَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاسِ وَلَيْسَ هَكَذَا قَوْلُ بَشَرٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَتَّهِمُ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا خَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَّهِمَ الْحَدِيثَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ لِخِلاَفِهِ لِأَنَّ كُلًّا رَوَى خَاصَّةً مَعًا وَأَنْ يُتَّهَمَا فَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ قَوْلاً لَمْ يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا قَالَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضُ قَوْلِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَذْكُرَهُ عَنْهُ إلَّا رَأْيًا لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ نُعَارِضَ بِقَوْلِ أَحَدٍ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ خِلاَفٌ مِنْ وَضْعِهِ هَذَا الْمَوْضِعَ وَلَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا وَقَدْ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ وَتُرِكَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يَجُوزُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَدَّ لِقَوْلِ أَحَدٍ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاذْكُرْ لِي فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت فِيهِ؟ قِيلَ لَهُ مَا وَصَفْت فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مُفَرَّقًا وَجُمْلَةً وَمِنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُقَدَّمُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْفَضْلِ وَقَدَمُ الصُّحْبَةِ وَالْوَرَعِ وَالْفِقْهِ وَالثَّبْتِ وَالْمُبْتَدِئُ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ وَالْكَاشِفُ عَنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمٌ يَلْزَمُ كَانَ يَقْضِي بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنَّ الدِّيَةَ لِلْعَاقِلَةِ وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى أَخْبَرَهُ أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَرُ وَتَرَكَ قَوْلَهُ وَكَانَ عُمَرُ يَقْضِي أَنَّ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةِ عَشْرًا عَشْرًا وَفِي الَّتِي تَلِي الْخِنْصَرَ تِسْعًا وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا حَتَّى وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ} فَتَرَكَ النَّاسُ قَوْلَ عُمَرَ وَصَارُوا إلَى كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفَعَلُوا فِي تَرْكِ أَمْرِ عُمَرُ لِأَمْرِ النَّبِيِّ فَعَلَ عُمَرَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ فِي أَنَّهُ تَرَكَ فِعْلَ نَفْسِهِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ حَاكِمَهُمْ كَانَ يَحْكُمُ بِرَأْيِهِ فِيمَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ سُنَّةٌ لَمْ يَعْلَمْهَا وَلَمْ يَعْلَمْهَا أَكْثَرُهُمْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلْمَ خَاصِّ الْأَحْكَامِ خَاصٌّ عَلَى مَا وَصَفْت لاَ عَامٌّ كَعَامِّ جُمَلِ الْفَرَائِضِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَقَسَّمَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ فَسَوَّى بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَمْ يُفَضِّلْ بَيْنَ أَحَدٍ بِسَابِقَةٍ وَلاَ نَسَبٍ ثُمَّ قَسَّمَ عُمَرُ فَأَلْغَى الْعَبِيدَ وَفَضَّلَ بِالنَّسَبِ وَالسَّابِقَةِ ثُمَّ قَسَّمَ عَلِيٌّ فَأَلْغَى الْعَبِيدَ وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَلِي الْخُلَفَاءَ وَأَعَمَّهُ وَأَوْلاَهُ أَنْ لاَ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَإِنَّمَا لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي الْمَالِ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمُ الْفَيْءِ، وَقِسْمُ الْغَنِيمَةِ، وَقِسْمُ الصَّدَقَةِ فَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيهَا وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِ مَا أَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ وَلاَ عَلِيٌّ وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ لِحَاكِمِهِمْ وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُمْ خِلاَفَ رَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ حَاكِمُهُمْ قَدْ يَحْكُمُ بِخِلاَفِ آرَائِهِمْ لاَ أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ وَفِيهِ مَا يَرُدُّ عَلَى مَا ادَّعَى أَنَّ حُكْمَ حَاكِمِهِمْ إذَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ إلَّا وَقَدْ رَأَوْا رَأْيَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا رَأْيَهُ فِيهِ لَمْ يُخَالِفُوهُ بَعْدَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ رَأَوْهُ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ رَأَوْا خِلاَفَهُ بَعْدَهُ قِيلَ لَهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْك فِي هَذَا إنْ كَانَ كَمَا قُلْت أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لاَ يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَهُمْ إذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى قِسْمِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ يُجْمِعُوا عَلَى قِسْمِ عُمَرُ ثُمَّ يُجْمِعُوا عَلَى قِسْمِ عَلِيٌّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخَالِفُ صَاحِبَهُ فَإِجْمَاعُهُمْ إذًا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ أَوَّلاً وَلاَ آخِرًا وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ حُجَّةً. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ تَقُولُ؟ قُلْت: لاَ يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا إجْمَاعٌ وَلَكِنْ يُنْسَبُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى فَاعِلِهِ فَيُنْسَبُ إلَى أَبِي بَكْرٍ فِعْلُهُ وَإِلَى عُمَرَ فِعْلُهُ وَإِلَى عَلِيٍّ فِعْلُهُ وَلاَ يُقَالُ لِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَخَذَ مِنْهُمْ مُوَافِقٌ لَهُمْ وَلاَ يُخَالِفُ وَلاَ يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلُ قَائِلٍ وَلاَ عَمَلُ عَامِلٍ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى كُلٍّ قَوْلُهُ وَعَمَلُهُ، وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ادِّعَاءَ الْإِجْمَاعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ خَاصِّ الْأَحْكَامِ لَيْسَ كَمَا يَقُولُ مَنْ يَدَّعِيهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَتَجِدُ مِثْلَ هَذَا؟ قُلْنَا إنَّمَا بَدَأْنَا بِهِ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ مَا صَنَعَ الْأَئِمَّةُ وَأَوْلَى أَنْ لاَ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَأَنْ لاَ يَجْهَلَهُ الْعَامَّةُ وَنَحْنُ نَجِدُ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا ثُمَّ طَرَحَ الْإِخْوَةَ مَعَهُ ثُمَّ خَالَفَهُ فِيهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الرِّدَّةِ فِدَاءً وَسَبْيًا وَحَبَسَهُمْ بِذَلِكَ فَأَطْلَقَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لاَ سَبْيَ وَلاَ فِدَاءَ مَعَ غَيْرِ هَذَا مِمَّا سَكَتْنَا عَنْهُ وَنَكْتَفِي بِهَذَا مِنْهُ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ حَاطِبٍ حَدَّثَهُ قَالَ تُوُفِّيَ حَاطِبٌ فَأُعْتِقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ فَلَمْ تَرْعَهُ إلَّا بِحَمْلِهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا فَذَهَبَ إلَى عُمَرَ فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لاََنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ فَقَالَ: أَحَبِلْت؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ مِنْ مرعوس بِدِرْهَمَيْنِ فَإِذَا هِيَ تَسْتَهِلُّ بِذَلِكَ وَلاَ تَكْتُمُهُ قَالَ وَصَادَفَ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ قَالَ، وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا فَاضْطَجَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَقَالَ أَشِرْ عَلَيَّ يَا عُثْمَانُ فَقَالَ: قَدْ أَشَارَ عَلَيْك أَخَوَاك فَقَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ قَالَ أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لاَ تَعْلَمُهُ وَلَيْسَ الْحَدُّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْت صَدَقْت وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَجَلَدَهَا عُمَرُ مِائَةً وَغَرَّبَهَا عَامًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَ عَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَحُدَّهَا حَدَّهَا عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الرَّجْمُ وَخَالَفَ عُثْمَانُ أَنْ لاَ يَحُدَّهَا بِحَالٍ وَجَلَدَهَا مِائَةً وَغَرَّبَهَا عَامًا فَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنْ خِلاَفِهِ بَعْدَ حَدِّهِ إيَّاهَا حَرْفٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلاَفُهُمْ لَهُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ فِعْلِهِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ مَا لاَ يَنْبَغِي لَهُ إذَا قِيلَ حَدَّ عُمَرُ مَوْلاَةُ حَاطِبٍ كَذَا لَمْ يَكُنْ لِيَجْلِدَهَا إلَّا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَهَالَةً بِالْعِلْمِ وَجُرْأَةً عَلَى قَوْلِ مَا لاَ يَعْلَمُ وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَ رَجُلٍ أَوْ عَمَلَهُ فِي خَاصٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَمْ يُحْكَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ قَالَ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَضَى عُمَرُ أَنْ لاَ تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلاَدِ وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ وَقَضَى عُمَرُ فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَجَعَلَ الضِّرْسَ سِنًّا فِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِلرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالَ إذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ انْقَطَعَتْ رَجْعَتُهُ عَنْهَا مَعَ أَشْيَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَائِلَ السَّلَفِ يَقُولُ بِرَأْيِهِ وَيُخَالِفُهُ غَيْرُهُ، وَيَقُولُ بِرَأْيِهِ إلَيَّ وَلاَ يَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ فِيمَا قَالَ بِهِ شَيْءٌ فَلاَ يُنْسَبُ الَّذِي لَمْ يُرْوَ عَنْهُ شَيْءٌ خِلاَفُهُ وَلاَ مُوَافَقَتُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقَلْ لَمْ يُعْلَمْ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى مُوَافَقَةٍ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى خِلاَفِهِ وَلَكِنْ كُلًّا كَذَبَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَوْلُهُ، وَلاَ الصِّدْقُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا يُعْرَفُ إذْ لَمْ يَقُلْ قَوْلاً، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لاَ يَرَى قَوْلَ بَعْضٍ حُجَّةً تَلْزَمُهُ إذَا رَأَى خِلاَفَهَا وَأَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ اللَّازِمَ إلَّا الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا قَطُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَى أَنْ يَكُونَ خَاصُّ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إجْمَاعًا كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجُمَلِ الْفَرَائِضِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا وَجَدُوا كِتَابًا أَوْ سُنَّةً اتَّبَعُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا تَأَوَّلُوا مَا يُحْتَمَلُ فَقَدْ يَخْتَلِفُونَ وَكَذَلِكَ إذَا قَالُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا فِيهِ سُنَّةً اخْتَلَفُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَكَفَى حُجَّةً عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ لَيْسَ كَمَا ادَّعَى مَنْ ادَّعَى مَا وَصَفْت مِنْ هَذَا وَنَظَائِرُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْإِجْمَاعَ فِيمَا سِوَى جُمَلِ الْفَرَائِضِ الَّتِي كُلِّفَتْهَا الْعَامَّةُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ التَّابِعِينَ وَلاَ الْقَرْنِ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَلاَ الْقَرْنِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَلاَ عَالِمٌ عَلِمْته عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلاَ أَحَدٌ نَسَبَتْهُ الْعَامَّةُ إلَى عِلْمٍ إلَّا حِينًا مِنْ الزَّمَانِ فَإِنَّ قَائِلاً قَالَ فِيهِ بِمَعْنًى لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَرَفَهُ وَقَدْ حَفِظْت عَنْ عَدَدٍ مِنْهُمْ إبْطَالَهُ، وَمَتَى كَانَتْ عَامَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي دَهْرٍ بِالْبُلْدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَعَامَّةٌ قَبْلَهُمْ قِيلَ يَحْفَظُ عَنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ كَذَا، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفًا وَنَأْخُذُ بِهِ، وَلاَ نَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ النَّاسِ كُلِّهِمْ لِأَنَّا لاَ نَعْرِفُ مَنْ قَالَ مِنْ النَّاسِ إلَّا مَنْ سَمِعْنَاهُ مِنْهُ أَوْ عَنْهُ قَالَ: وَمَا وَصَفْت مِنْ هَذَا قَوْلَ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ نَصًّا وَاسْتِدْلاَلاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَالْعِلْمُ مِنْ وَجْهَيْنِ اتِّبَاعٌ وَاسْتِنْبَاطٌ وَالِاتِّبَاعُ اتِّبَاعُ كِتَابٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسُنَّةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَقَوْلُ عَامَّةٍ مِنْ سَلَفِنَا لاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيَاسٌ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ سَلَفِنَا لاَ مُخَالِفَ لَهُ وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ إلَّا بِالْقِيَاسِ وَإِذَا قَاسَ مَنْ لَهُ الْقِيَاسُ فَاخْتَلَفُوا وَسِعَ كُلًّا أَنْ يَقُولَ بِمَبْلَغِ اجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَسَعْهُ اتِّبَاعُ غَيْرِهِ فِيمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ بِخِلاَفِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الضَّبِّ فَقَالَ لَسْت بِآكِلِهِ وَلاَ مُحَرِّمِهِ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ نَحْوَهُ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَشَكٌّ قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَوْ {عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنَّهُمَا دَخَلاَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأَتَى بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ فَقَالُوا هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَقُلْت أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْته فَأَكَلْته وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الضَّبِّ} لِأَنَّهُ عَافَهُ لاَ لِأَنَّهُ حَرَّمَهُ وَقَدْ {امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبُقُولِ ذَوَاتِ الرِّيحِ} لِأَنَّ جِبْرِيلَ يُكَلِّمُهُ وَلَعَلَّهُ عَافَهَا لاَ مُحَرِّمًا لَهَا وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَسْت بِآكِلِهِ} يَعْنِي نَفْسَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَافَهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَلاَ مُحَرِّمَهُ قَالَ فَجَاءَ بِمَعْنَى ابْنِ عَبَّاسٍ بَيِّنًا وَإِنْ كَانَ مَعْنَى ابْنِ عُمَرَ أَبْيَنَ مِنْهُ قَالَ {لَسْت أُحَرِّمُهُ وَلَيْسَ حَرَامًا وَلَسْت آكُلَهُ} تَفْسِيرٌ وَأَكْلُ الضَّبِّ حَلاَلٌ وَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحَرَّمُ فَدَاهُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ يُؤْكَلُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الْآيَةُ وَقَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ؟} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا مِنْ حَقِّهَا يَعْنِي مَنْعَهُمْ الصَّدَقَةَ وَقَالَ اللَّهُ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةُ. أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا وَقَالَ فَإِذَا لَقِيت عَدُوًّا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاَثِ خِلاَلٍ أَوْ ثَلاَثِ خِصَالٍ شَكَّ عَلْقَمَةُ اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ وَادْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ إنْ هُمْ فَعَلُوا أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ اخْتَارُوا الْمُقَامَ فِي دَارِهِمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوك إلَى الْإِسْلاَمِ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى وَلاَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ وَلاَ مُخَالِفًا لَهُ وَلَكِنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ وَالْآيَتَيْنِ مِنْ الْكَلاَمِ الَّذِي مَخْرَجُهُ عَامٌّ يُرَادُ الْخَاصُّ وَمِنْ الْمُجْمَلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُفَسَّرُ فَأَمْرُ اللَّهِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَاَللَّهُ- تَعَالَى أَعْلَمُ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ أَكْثَرُ مَنْ قَاتَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إيَّاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَفَرَضَ اللَّهُ قِتَالَ، أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ بُرَيْدَةَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً كَمَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً قَالَ فَالْفَرْضُ فِي قِتَالِ مَنْ دَانَ وَآبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُقَاتَلُوا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا وَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُ جِزْيَةٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ قَالَ وَالْفَرْضُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ دَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ دِينَهُمْ- أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أَوْ يُسْلِمُوا وَسَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا قَالَ وَلِلَّهِ كُتُبٌ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ الْمَعْرُوفُ مِنْهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ غَيْرَهُمَا فَقَالَ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} وَلَيْسَ تُعْرَفُ تِلاَوَةُ كُتُبِ إبْرَاهِيمُ وَذِكْرُ زَبُورِ دَاوُد فَقَالَ {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} قَالَ وَالْمَجُوسُ أَهْلُ كِتَابٍ غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ بَجَالَةَ يَقُولُ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَدَانَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ بَعْضِهِمْ الْجِزْيَةَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلْ حَفِظَ أَحَدٌ أَنَّ الْمَجُوسَ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ؟ قُلْت: نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي سَعْدٍ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ فَرْوَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيُّ عَلاَمَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ فَأَخَذَ بِلَبَبِهِ فَقَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَطْعَنُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَلِيًّا وَقَدْ أَخَذُوا مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْقَصْرِ فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِمَا فَقَالَ اُلْبُدَا فَجَلَسْنَا فِي ظِلِّ الْقَصْرِ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوسِ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ وَأَنَّ مَلِكَهُمْ سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فَلَمَّا صَحَا جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَامْتَنَعَ مِنْهُمْ فَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ فَقَالَ تَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِ آدَمَ قَدْ كَانَ آدَم يَنْكِحُ بَنِيهِ مِنْ بَنَاتِهِ فَأَنَا عَلَى دِينِ آدَمَ مَا يَرْغَبُ بِكُمْ عَنْ دِينِهِ؟ فَاتَّبَعُوهُ وَقَاتَلُوا الَّذِينَ خَالَفُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُمْ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَذَهَبَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. قَالَ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا وَصَفْت غَيْرِ مَا ذَكَرْت مِنْ هَذَا؟ فَقُلْت: نَعَمْ أَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ أَمَا فِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ تُؤْخَذَ مِنْ الَّذِينَ لَمْ يُؤْتَوْا الْكِتَابَ؟ فَقَالَ: بَلَى لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ: خُذْ مِنْ صِنْفِ كَذَا فَقَدْ مَنَعَ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يُخَالِفُهُ. قُلْت أَرَأَيْت حِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُقَاتَلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَأَمَرَ إذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَنْ يُقْتَلَ الْمُشْرِكُونَ حَيْثُ وُجِدُوا وَيُؤْخَذُوا وَيُحْصَرُوا وَيُقْعَدَ لَهُمْ كُلُّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ خُلِّيَ سَبِيلُهُمْ أَمَا فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ فِي أَمْرِ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَأَنَّ الْفَرْضَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُهُ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ؟ قَالَ أَمَّا الْقُرْآنُ فَيَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَامٌّ بِأَنْ يُدْعَوْا إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنِيَ كُلَّ مُشْرِكٍ وَثَنِيٍّ أَوْ غَيْرَهُ قُلْت لَهُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ} عَامُّ الْمَخْرَجِ فَإِنْ قَالَ جَاهِلٌ بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ فَلاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَلاَ غَيْرِهِ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلاَمُ أَوْ الْقَتْلُ هَلْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ إلَّا كَهِيَ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى جُمْلَةِ حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ وَادَّعَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَاسِخٌ لَهُ؟ قَالَ مَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَدِيثَيْنِ شَيْءٌ إلَّا كَمَا لِصَاحِبِهِ مِثْلُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْحَدِيثَانِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مَا كَانَ إلَّا أَنَّهَا لاَ تُؤْخَذُ مِنْ الْعَرَبِ خَاصَّةً إذَا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَأَمَّا الْعَجَمُ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَإِنْ دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ قَالَ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَمِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ قَالَ ذَهَبَتْ إلَى أَنَّ الَّذِينَ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا الْعَرَبُ قُلْت أَفَرَأَيْت الْعَرَبَ إذَا دَانُوا دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَيَدْخُلُونَ فِي مَعْنَى الآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ قَوْلِك وَزَعَمْت أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى الدِّينِ لاَ عَلَى النَّسَبِ قَالَ فَلاَ أَقْدِرُ أَنْ أَقُولَ الْجِزْيَةُ وَتَرْكُ الْجِزْيَةِ وَأَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا عَلَى النَّسَبِ وَقَدْ {أَخَذَ النَّبِيُّ الْجِزْيَةَ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ} فَقُلْت لَهُ فَلِمَ ذَهَبْت أَوَّلاً إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَلَسْت تَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ؟ قَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ قَالَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ دَعَا إلَيْهَا وَثَنِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ أَعْجَمِيٌّ أَوْ عَرَبِيٌّ فَقُلْت لَهُ أَحَمِدْت قَوْلَ مَنْ قَالَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَنْ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَرَبُ فَلَمْ يَأْخُذْ الْجِزْيَةَ إلَّا مِنْ عَرَبِيٍّ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَأَقُومُ لِمَنْ خَالَفَنَا وَإِيَّاكَ مِنْ أَصْحَابِك بِقَوْلِهِ فَأَقُولُ إنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ} وَرَأَيْت الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَلاَ تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ وَأَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَتُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: قُلْت إنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ الْعَامَّةِ بَاقٍ فِي أَيْدِيهِمْ فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ فِي أَنْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ كَالْعَرَبِ؟ قَالَ لاَ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ لاَ تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ وَلاَ تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ. قُلْت فَكَيْفَ أَنْكَرْت أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} مَنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَأَنْ يَكُونَ إحْلاَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ إحْلاَلَ نِسَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ سِوَاهُمْ فَيَكُونُونَ مُسْتَوِينَ فِي الْجِزْيَةِ مُخْتَلِفِينَ فِي النِّسَاءِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَأَمَرَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الشِّرْكِ وَخَالَفَ بَيْنَهُمْ فِي الْقِتَالِ عَلَى الشِّرْكِ فَقَالَ أَوْ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مَا فِي هَذَا مَا أَنْكَرَهُ عَالِمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت لَهُ: لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْمَذْهَبَ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ السُّنَّةِ قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت السُّنَّةُ لاَ تَكُونُ أَبَدًا إلَّا تَبَعًا لِلْقُرْآنِ بِمِثْلِ مَعْنَاهُ وَلاَ تُخَالِفُهُ فَإِذَا كَانَ الْقُرْآنُ نَصًّا فَهِيَ مِثْلُهُ وَإِذَا كَانَ جُمْلَةً أَبَانَتْ مَا أُرِيدَ بِالْجُمْلَةِ ثُمَّ لاَ تَكُونُ إلَّا وَالْقُرْآنُ مُحْتَمِلٌ مَا أَبَانَتْ السُّنَّةُ مِنْهُ قَالَ أَجَلْ قُلْت فَمَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ خَرَجَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا مِنْ الْكِتَابِ إلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَمِنْ السُّنَّةِ إلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَذَهَبَ فِي الْمَجُوسِ إلَى أَمْرٍ جَهِلَهُ فَقَالَ فِيهِمْ بِالْجَهَالَةِ قَالَ إنَّهُ شُبِّهَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ لاَ تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ قُلْت لاَ وَلاَ ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ كَمَا وَصَفْت بِأَنْ يَجْتَمِعُوا فِي جُمْلَةِ مَنْ أُوتَى الْكِتَابَ وَاَلَّذِينَ أَمَرَ بِنِكَاحِ نِسَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ {ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ رَاهَقْت الِاحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْت فَأَرْسَلَتْ حِمَارِي يَرْتَعُ وَدَخَلْت فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلَيْسَ بَعْدُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مُخْتَلِفًا، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُؤَدَّاةِ لَمْ يَتَقَصَّ الْمُؤَدِّي لَهَا أَسْبَابَهَا وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضٍ {وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَتِرَ بِالدُّنُوِّ مِنْ السُّتْرَةِ} اخْتِيَارًا لاَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ وَلاَ أَنَّ شَيْئًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُفْسِدُ صَلاَتَهُ لِأَنَّهُ {صلى الله عليه وسلم قَدْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالنَّاسُ يَطُوفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سُتْرَةٌ} وَهَذِهِ صَلاَةُ انْفِرَادٍ لاَ جَمَاعَةٍ وَصَلَّى بِالنَّاسِ بِمِنًى صَلاَةَ جَمَاعَةٍ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ لِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى غَيْرِ جِدَارٍ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَلَوْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَفْسُدُ بِمُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يُصَلِّ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَلاَ أَحَدَ وَرَاءَهُ يَعْلَمُهُ وَقَدْ {مَرَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَتَانٍ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الَّذِي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَهَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَمْرُهُ بِالْخَطِّ فِي الصَّحْرَاءِ اخْتِيَارًا وَقَوْلُهُ لاَ يُفْسِدُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ أَنْ يَلْهُوَ بِبَعْضِ مَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَصِيرُ إلَى أَنْ يُحْدِثَ مَا يُفْسِدُهَا لِمُرُورِ مَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا يُكْرَهُ لِلْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَعَلَّ تَشْدِيدَهُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى تَرْكِهِمْ نَهْيَهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهُ {إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَمُرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَقْطَعُ عَلَى الْمُصَلِّي صَلاَتَهُ وَلَوْ كَانَ يَقْطَعُ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ مَا أَبَاحَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقْطَعَ صَلاَةَ مُسْلِمٍ وَهَكَذَا مِنْ مَعْنَى مُرُورِ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَالنَّاسُ فِي الطَّوَافِ وَمِنْ مُرُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ بِمِنًى لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الْمُسْتَتِرِ وَلاَ يُكْرَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الَّذِي لاَ يَسْتَتِرُ {وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْتَتِرِ إذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيُقَاتِلْهُ} يَعْنِي فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَفَدَ رُوِيَ أَنَّ مُرُورَ الْكَلْبِ وَالْحِمَارِ يُفْسِدُ صَلاَةَ الْمُصَلِّي إذَا مَرَّا بَيْنَ يَدَيْهِ قِيلَ لاَ يَجُوزُ إذَا رُوِيَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ} وَكَانَ مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَثْبَتَ مِنْهُ وَمَعَهَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنْ يُتْرَكَ إنْ كَانَ ثَابِتًا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ الْمَنْسُوخَ حَتَّى نَعْلَمَ الْآخَرَ وَلَسْنَا نَعْلَمُ الْآخَرَ أَوْ يُرَدُّ مَا يَكُونُ غَيْرَ مَحْفُوظٍ، وَهُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى وَعَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَصَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ يَضَعُهَا فِي السُّجُودِ وَيَرْفَعُهَا فِي الْقِيَامِ} وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْطَعُ صَلاَتَهُ لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَصَلَّى إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَرُدُّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَإِنْ أَخَذْت فِيهِ أَشْيَاءَ فَإِنْ قِيلَ فَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ هَذَا؟ قِيلَ قَضَاءُ اللَّهِ {أَنْ لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَبْطُلُ عَمَلُ رَجُلٍ عَمَلَ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ سَعْيُ كُلٍّ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُرُورُ رَجُلٍ يَقْطَعُ صَلاَةَ غَيْرِهِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ {لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَإِذَا خَرَجْنَ فَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاَتٍ} قَالَ الرَّبِيعُ يَعْنِي لاَ يَتَطَيَّبْنَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {إذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ كَلَّمَنَا فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ بِكَلاَمٍ قَدْ جَهَدْت عَلَى تَقَصِّي مَا كَلَّمُونِي فِيهِ فَكَانَ مِمَّا قَالُوا أَوْ بَعْضُهُمْ ظَاهِرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ إمَاءِ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَالنَّهْيُ عِنْدَك عَنْ النَّبِيِّ تَحْرِيمٌ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ التَّحْرِيمِ وَهُوَ عَامٌّ عَلَى مَسَاجِدِ اللَّهِ وَالْعَامُّ عِنْدَك عَلَى عُمُومِهِ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَنْ النَّبِيِّ أَوْ عَنْ جَمَاعَةٍ لاَ يُمْكِنُ فِيهِمْ جَهْلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَاصٌّ فَمَا تَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ أَهُوَ عَامٌّ فَيَكُونُ تَحْرِيمَ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدٌ إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ بِحَالٍ أَوْ خَاصٍّ فَيَكُونُ لَهُمْ مَنْعُهُنَّ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُ إلَّا وَاحِدًا مِنْ مَعْنَيَيْنِ؟ قُلْت: بَلْ خَاصٌّ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ عِنْدَك؟ قُلْت الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ بِمَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا قَالَ فَاذْكُرْ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَا وَصَفْت قُلْت. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ} حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ يَقُولُ {لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اكْتَتَبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَإِنَّ امْرَأَتِي انْطَلَقَتْ حَاجَّةً قَالَ فَانْطَلِقْ فَاحْجُجْ بِامْرَأَتِك} قَالَ فَقُلْت أَفَتَرَى أَنَّ فَرْضًا عَلَى قَيِّمِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا أَكْبَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ لِأَنَّ أَكْبَرَهَا أَوْجَبُهَا وَمِنْ كُلِّ سَفَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَمِنْ أَيْنَ قُلْته قَالَ قُلْته بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّ سَفَرَهَا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مَعْصِيَةٌ وَفَرَضَ اللَّهُ أَنْ تُمْنَعَ الْمَعْصِيَةُ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ، وَالْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تُمْنَعَ أَكْبَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ قَالَ مَا أَجِدُ مِنْ هَذَا بُدًّا، وَقَالَ غَيْرُهُ أَنَا أُكَلِّمُك بِغَيْرِ مَا كَلَّمَك بِهِ فَأَقُولُ لَيْسَ لِقَيِّمِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا أَنْ تُسَافِرَ إلَى مَسْجِدٍ قُلْت وَلاَ يَمْنَعُهَا الْوَالِي وَلاَ زَوْجُهَا وَلاَ وَلِيُّهَا مَنْ كَانَ قَالَ لاَ قُلْت فَقَدْ أَمَرْت بِأَنْ لاَ تُمْنَعَ الْمَعْصِيَةُ بِالسَّفَرِ. قَالَ: فَإِنْ قُلْت: فَعَلَى ذِي مَحْرَمِهَا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ السَّفَرَ مَعَهَا مَا يُوجِبُ عَلَى الْوَالِي مَنْعَهَا مِنْ السَّفَرِ بِلاَ مَحْرَمٍ قُلْت فَإِنَّ قَيِّمَهَا أَخَاهَا وَهُوَ مُوسِرٌ عَلَى مَنْ النَّفَقَةُ فِي السَّفَرِ أَعْلَيْهَا أَوْ عَلَى أَخِيهَا؟ قَالَ فَإِنْ قُلْت عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَعَلَيْهَا نَفَقَتُهَا قُلْت فَقَدْ جَعَلْت لَهَا أَنْ تُكَلِّفَهُ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَأَنْتَ لاَ تَجْعَلُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُوسِرَةً وَلاَ مُعْسِرَةً صَحِيحَةً وَتُكَلِّفُهَا الْمَسْأَلَةَ فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ أَلْزَمُ لَك أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُعْسِرَةً صَحِيحَةً شَرِيفَةً تَسْتَحْيِي مِنْ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ أَوْ يُكَلَّفُ فِي سَفَرٍ خَمْسمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ فَإِنْ قُلْت فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا قُلْت فَأَقُولُ لَك فَكَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا؟ قَالَ بَلْ لاَ أُنْفِقُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا إلَّا مَا لاَ صَلاَحَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَيْفَ أُنْفِقُ عَلَى آخَرَ مِنْ مَالِهَا؟ قُلْت فَقَدْ مَنَعْتهَا إذًا أَكْثَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ قَالَ فَكُلُّ مَا قُلْت مِنْ هَذَا مُخَالِفًا قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ قُلْت أَجَلْ وَقَدْ تَرَكْت إبَانَةَ ذَلِكَ لِتَعْرِفَ أَنَّ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فِيهِ كُلَّهُ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ وَهَلْ عَلِمْت مُخَالِفًا فِي أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ مَسْجِدَ عَشِيرَتِهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى بَابِهَا وَالْجُمُعَةَ الَّتِي لاَ أَوْجَبَ مِنْهَا فِي الْمِصْرِ؟ قَالَ: وَمَا عَلِمْته قُلْت فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَسَاءَلْت عَنْهُ حُجَّةٌ إلَّا مَا وَصَفْت اسْتَدْلَلْت بِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إذَا كَانَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ وَقَيِّمِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْجُمُعَةِ وَمَسْجِدِ عَشِيرَتِهَا كَانَ مَعْنَى {لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ} خَاصًّا عَلَى مَا قُلْت لَك لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَجْهَلُ مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ حَضَرَ هَذَا كَمَا قُلْت فِيمَا أَدْخَلْت عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ شَيْئًا مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْك أَنْ تَسْأَلَ مَا مَعْنَى {لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ}؟ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ خَاصٌّ فَأَيُّ الْمَسَاجِدِ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إمَاءَ اللَّهِ؟ قُلْت لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَسْجِدَ اللَّهِ الْحَرَامَ لِفَرِيضَةِ الْحَجِّ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهَا تَطَوُّعًا، وَمِنْ الْمَسَاجِدِ غَيْرَهُ قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْت؟ قُلْت: قَالَ اللَّهُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ {السَّبِيلُ الزَّادُ وَالْمَرْكَبُ} فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَجِدُ مَرْكَبًا وَزَادًا وَتُطِيقُ السَّفَرَ لِلْحَجِّ فَهِيَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ وَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُمْنَعَ فَرِيضَةَ الْحَجِّ كَمَا لاَ تُمْنَعُ فَرِيضَةَ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْفَرَائِضِ. قَالَ فَهَلْ عَلَى وَلِيِّهَا أَنْ يُحِجَّهَا مِنْ مَالِهَا لَوْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا؟ قُلْت: نَعَمْ كَمَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ عَنْهَا. قَالَ فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا؟ قُلْت: لاَ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَقَلَّ مُسْلِمٌ يَدَعُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا وَجَدَتْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ حَجَّتْ مَعَهُنَّ وَأَجْبَرْت وَلِيَّهَا عَلَى تَرْكِهَا وَالْحَجِّ مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ إذَا كَانَتْ طَرِيقُهَا آمِنَةً مَنْ كَانَ وَلِيُّهَا زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ. قَالَ فَمَا مَعْنَى نَهْيِهَا عَنْ السَّفَرِ؟ قُلْت نَهْيُهَا عَنْ السَّفَرِ فِيمَا لاَ يَلْزَمُهَا. قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا نُهِيَتْ عَنْ السَّفَرِ فِيمَا لاَ يَلْزَمُهَا؟ قُلْت بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ اللَّهِ أَنَّ حَدَّ الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالتَّغْرِيبُ سَفَرٌ وَقَدْ {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُخْلَى بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ} وَفِي التَّغْرِيبِ خَلْوَةٌ بِهَا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَسَفَرٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُنْهَى عَنْ سَفَرِهَا فِيمَا لاَ يَلْزَمُهَا وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ بِبَلَدٍ نَاءٍ لاَ حَاكِمَ فِيهِ فَأَحْدَثَتْ حَدَثًا يَكُونُ عَلَيْهَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ أَوْ خُصُومَةٌ لَهُ جُلِبَتْ إلَى الْحَاكِمِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا نُهِيَتْ عَنْ السَّفَرِ فِيمَا لاَ يَلْزَمُهَا فَإِذَا قَضَتْ حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ فَلِوَلِيِّهَا مَنْ كَانَ مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ وَمِنْ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ إلَّا شَيْئًا سَأَذْكُرُهُ فِي الْعِيدَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَفَتَجِدُ عَلَى هَذَا دَلاَلَةً؟ قُلْت: نَعَمْ مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ أَنْ يُسَافِرَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلْحَجِّ وَأَنَّ الْأَسْفَارَ إلَى الْمَسَاجِدِ نَافِلَةٌ غَيْرُ السَّفَرِ لِلْحَجِّ وَفِي مَنْعِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ الْحَجَّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ إنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ ثُمَّ ظُهُورُ الْحُصْرِ قَالَ: وَإِنَّ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَلَمْ نَعْلَمْ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ امْرَأَةً خَرَجَتْ إلَى جُمُعَةٍ وَلاَ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ وَأَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ بِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْلَى بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّهُنَّ ضُرِبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ قِيلَ وَقَدْ كُنَّ لاَ حِجَابَ عَلَيْهِنَّ ثُمَّ ضُرِبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ فَلَمْ يُرْفَعْ عَنْهُنَّ مِنْ الْفَرَائِضِ شَيْءٌ وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى النِّسَاءِ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ كُلٌّ رَوَى أَنَّ الْجُمُعَةَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إلَّا امْرَأَةً أَوْ مُسَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْمَرْأَةِ فَرْضُ الْجُمُعَةِ كَانَ فَرْضُ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالنَّافِلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ عَنْهُنَّ أَسْقَطَ. قَالَ: فَقَالَ وَمَا فُرِضَ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ إلَّا عَلَى الرَّجُلِ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى النِّسَاءِ بِفَرْضٍ وَمَا هُنَّ فِي إتْيَانِ الْمَسَاجِدِ لِلْجَمَاعَاتِ كَالرِّجَالِ فَقُلْت لَهُ إنَّ الْحُجَّةَ لَتَقُومُ بِأَقَلَّ مِمَّا وَصَفْت لَك وَعَرَفْت بِنَفْسِك وَعَرَفَ النَّاسُ مَعَك وَقَدْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ نِسَاءٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَبَنَاتِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَمَوْلَيَاتِهِ وَخَدَمِهِ وَخَدَمِ أَهْلِ بَيْتِهِ فَمَا عَلِمْت مِنْهُنَّ امْرَأَةً خَرَجَتْ إلَى شُهُودِ جُمُعَةٍ وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ بِأَكْثَرَ مِنْ وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ غَيْرِهَا وَلاَ إلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَلاَ إلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَلاَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُنَّ كُنَّ عَلَى الْخَيْرِ بِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَحْرَصُ وَبِهِ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِنَّ وَأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ أَنْ يَأْمُرَهُنَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهِ فِيهِنَّ وَمَا لَهُنَّ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِنَّ كَمَا أَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَاتِ وَالسُّنَنِ وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُ بِالْحِجَابِ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ بِإِتْيَانِ جُمُعَةٍ وَلاَ جَمَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ وَلَوْ كَانَ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ أَمَرُوهُنَّ بِهِ وَأَذِنُوا لَهُنَّ إلَيْهِ بَلْ قَدْ رُوِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ {صَلاَةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاَتُهَا فِي حُجْرَتِهَا خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَسَاجِدِ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ إنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَيَّ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ وَرُوِيَ {إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ لِتَشْهَدَ الْعِشَاءَ فَلاَ يَمْنَعْهَا} فَاحْتَمَلَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِنَّ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَمَّا كَانَ مَا وَصَفْت مِنْ الِاسْتِدْلاَلِ بِأَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعَامَّةُ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ شُهُودُ صَلاَةِ جَمَاعَةٍ كَمَا هِيَ عَلَى الرَّجُلِ وَأَنَّ لِوَلِيِّهَا حَبْسُهَا كَانَ هَذَا اخْتِيَارًا لاَ فَرْضًا عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمَرْأَةِ لِلْعِشَاءِ. فَقَالَ مَا عَلِمَتْ أَحَدًا مِنْ الْمُفْتِينَ يُخَالِفُ فِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ الْإِذْنُ لِامْرَأَتِهِ إلَى جُمُعَةٍ وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلاَ إلَى حَجٍّ لِأَنَّهُ لاَ يَفُوتُهَا فِي عُمُرِهَا فَقُلْت فَفِي أَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُفْتُونَ إنْ كَانَ كَمَا قُلْت دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لاَ يَجْهَلُوا مَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ إذَا كَانَ مَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ مُحْتَمِلاً مَا قَالُوا. قَالَ وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْحَجِّ قُلْت أَمَّا هَذَا فَلاَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا الْفَرِيضَةَ فَقَدْ مَنَعَهَا مَسَاجِدَ اللَّهِ كُلَّهَا فَأَبَاحَ لَهُ خِلاَفَ الْحَدِيثِ فَإِذَا قُلْت لاَ يَمْنَعُهَا الْفَرِيضَةَ مِنْ الْحَجِّ فَلَمْ أُخَالِفْ الْحَدِيثَ بَلْ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ {لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ كُلَّهَا} وَفِيهِ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُنَّ بَعْضَهَا قَالَ: وَأُجْبِرُ زَوْجَ امْرَأَةٍ وَوَلِيَّهَا مَنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَدَعَهَا وَالْفَرِيضَةَ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي سَفَرٍ وَلاَ أُجْبِرُهُ عَلَى مَا تَطَوَّعَتْ بِهِ مِنْهُمَا فَإِذَا أَذِنَ لَهَا إلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَمْنَعْهَا مَسَاجِدَ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْفَرْضِ إلَى مَسْجِدِ اللَّهِ الْحَرَامِ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ أَنْ {يُتْرَكَ النِّسَاءُ إلَى الْعِيدَيْنِ} فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا قُلْنَا بِهِ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} الْآيَةُ قَالَ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ وَقَالَ اللَّهُ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} قَالَ فَكَانَ الْوُضُوءُ عَامًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ الْجَنْبَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ دَلِيلاً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لاَ يَجِبَ الْغُسْلُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ إلَّا أَنْ تَدُلُّ السُّنَّةُ عَلَى غُسْلٍ وَاجِبٍ فَتُوجِبُهُ بِالسُّنَّةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي الْأَخْذِ بِهَا وَدَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلاً بَيِّنًا عَلَى أَنْ يَجِبَ غُسْلُ غَيْرِ الْجَنَابَةِ الْوُجُوبَ الَّذِي لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ، قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ فَذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى غَيْرِ مَا قُلْنَا وَلِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَاحْتَمَلَ وَاجِبٌ لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَوَاجِبٌ فِي الْأَخْلاَقِ وَوَاجِبٌ فِي الِاخْتِيَارِ، وَفِي النَّظَافَةِ وَنَفَى تَغَيُّرَ الرِّيحِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ وَجَبَ حَقُّك عَلَيَّ إذْ رَأَيْتنِي مَوْضِعًا لِحَاجَتِك وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَكَانَ هَذَا أَوْلَى مَعْنَيَيْهِ لِمُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي عُمُومِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَخُصُوصِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالدَّلاَلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَاذْكُرْ الدَّلاَلَةَ، قُلْت: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ فَقَالَ عُمَرُ أَيُّ سَاعَةٍ هَذِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْت مِنْ السُّوقِ فَسَمِعْت النِّدَاءَ فَمَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟ وَقَدْ عَلِمْت {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ عُمَرُ عِلْمَهُ وَعِلْمَ عُثْمَانَ فَذَهَبَ عَنَّا أَنْ نُتَوَهَّمَ أَنْ يَكُونَا نَسِيَا عِلْمَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إذْ ذَكَرَ عُمَرُ عِلْمَهُمَا فِي الْمَقَامِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ وَلَمْ يَخْرُجْ عُثْمَانُ فَيَغْتَسِلُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِذَلِكَ وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّنْ عَلِمَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ بِالْغُسْلِ مَعَهُمَا أَوْ بِإِخْبَارِ عُمَرَ عَنْهُ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَدْ عَلِمَا أَمْرَ النَّبِيِّ بِالْغُسْلِ عَلَى الْأَحَبِّ لاَ عَلَى الْإِيجَابِ لِلْغُسْلِ الَّذِي لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَلَّ عَلَى أَنَّ عِلْمَ مَنْ سَمِعَ مُخَاطَبَةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي مِثْلِ عِلْمِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمُوهُ عِلْمًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوهُ بِخَبَرِ عُمَرَ كَالدَّلاَلَةِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَرَوَتْ عَائِشَةُ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ فَكَانُوا يَرُوحُونَ بِهَيْئَاتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ} قَالَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيت مِنْ الْمُفْتِينَ اخْتِيَارُ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْوُضُوءَ يُجْزِئُ مِنْهُ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ {مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ} مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لاَ يَجِبُ الْوُجُوبَ الَّذِي لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إذَا وَجَبَ الْوُجُوبَ الَّذِي لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ جَاءَ الْجُمُعَةَ أَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ {مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ} يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ غُسْلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتِ الْجُمُعَةَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا}. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ {عَنْ خَنْسَاءَ ابْنَة خِذَامٍ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ النَّبِيَّ فَرَدَّ نِكَاحَهُ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ {عَائِشَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعٍ وَبَنَى بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ وَكُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَكُنَّ جَوَارٍ يَأْتِينَنِي فَإِذَا رَأَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ تَقَمَّعْنَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْوَلِيُّ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ} الْأَبُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ وِلاَيَةٌ مَعَهُ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْوِلاَيَةُ لِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُطْلَقُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي {الْأَيِّمِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا} مِثْلُ حَدِيثِ خَنْسَاءَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَيِّمًا وَالْأَيِّمُ الثَّيِّبُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ نِكَاحَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقُلْنَا أَمْرُهُ الْآبَاءَ بِالِاسْتِئْذَانِ لِلْأَبْكَارِ فِي الْإِنْكَاحِ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِهِنَّ وَأَحْرَى إنْ كَانَ بِهِنَّ عِلَّةٌ فِي أَنْفُسِهِنَّ أَوْ لَهُنَّ عِلَّةٌ فِيمَنْ يُسْتَأْمَرْنَ فِي إنْكَاحِهِ أَنْ يَذْكُرْنَهَا لاَ عَلَى أَنَّ لَهُنَّ فِي أَنْفُسِهِنَّ مَعَ آبَائِهِنَّ أَمْرًا إنْ لَمْ يَأْذَنْ أَنْ يُنْكَحْنَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْكَحْنَ وَذَهَبْنَا إلَى ذَلِكَ أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ} وَهِيَ فِي التَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ مِمَّنْ لاَ أَمْرَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ لاَ يَجُوزُ عَلَى الْبِكْرِ إلَّا بِإِذْنِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَوَّجَ حَتَّى يَكُونَ لَهَا أَمْرٌ فِي نَفْسِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَوْلُودِ يُقْتَلُ أَبُوهُ يُحْبَسُ قَاتِلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ فَيَعْفُوَ أَوْ يُصَالِحَ أَوْ يَقْتُلَ لِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إلَّا بِأَمْرِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ لاَ أَمْرَ لَهُ فَوَقَفْنَا قَتْلَ قَاتِلِ أَبِيهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ أَمْرٌ فَقُلْنَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ بَالِغًا أَوْ صَغِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْمِرْهَا فَإِنْ قِيلَ فَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ تُسْتَأْمَرُ عَلَى مَا قُلْت قِيلَ مَا وَصَفْت مِنْ نِكَاحِهِ عَائِشَةَ وَهِيَ لاَ أَمْرَ لَهَا وَدُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَا وَهِيَ مِمَّنْ لاَ أَمْرَ لَهَا إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا، وَإِنْكَاحُ الْآبَاءِ الصِّغَارَ قَدِيمًا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِنَّ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ مِنْ دَلاَلَةٍ غَيْرُ ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لِأَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا أَمْرًا بَلْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فِيمَا أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى اسْتِطَابَةِ أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَنْ يَسْتَنَّ بِالْمَشُورَةِ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ غَيْرِهِ؟ قِيلَ نَعَمْ {زَوَّجَ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ ابْنَتَهُ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ أُمُّهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ آمِرُوهُنَّ فِي بَنَاتِهِنَّ} وَكَانَتْ ابْنَتُهُ بِكْرًا وَلاَ اخْتِلاَفَ أَنْ لَيْسَ لِلْأُمِّ شَيْءٌ مِنْ إنْكَاحِ ابْنَتِهَا مَعَ أَبِيهَا وَلَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً وَلاَ مِنْ إنْكَاحِ نَفْسِهَا إلَّا بِوَلِيِّهَا.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ النَّجْشِ}. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَنَاجَشُوا} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَمَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالنَّجْشُ أَنْ يُحْضِرَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِيَ بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيَقْتَدِيَ بِهِ السُّوَّامُ فَيُعْطُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَسْمَعُوا سَوْمَهُ قَالَ فَمَنْ نَجَشَ فَهُوَ عَاصٍ بِالنَّجْشِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ عَنْهُ، وَمَنْ اشْتَرَى وَقَدْ نَجَشَ غَيْرَهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَوْ غَيْرِ أَمْرِهِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ كَمَا يَلْزَمُ مَنْ لَمْ يَنْجُشُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لاَ يُفْسِدُهُ مَعْصِيَةُ رَجُلٍ نَجَشَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَقْدَهُ غَيْرُ النَّجْشِ وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ لِأَنَّ النَّاجِشَ غَيْرُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَلاَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إنْ فَعَلَ النَّاجِشُ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلاَ يَفْسُدُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ بِفِعْلِ غَيْرِهِمَا وَأَمْرُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ بِالنَّجْشِ مَعْصِيَةٌ مِنْهُ، وَمِنْ النَّاجِشِ مَعْصِيَةٌ قَالَ وَقَدْ {بِيعَ فِيمَنْ يُزِيدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَازَ الْبَيْعُ} وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَادَ مَنْ لاَ يُرِيدُ الشِّرَاءَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ}. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ يَبِعْ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ} أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ مِثْلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنُنْهِي الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً وَلَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي سِلْعَةً تُشْبِهُ السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَى أَوَّلاً لِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَى أَوَّلاً وَلِأَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا} فَيَكُونُ الْبَائِعُ الْآخَرُ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بَيْعَهُ ثُمَّ لَعَلَّ الْبَائِعَ الْآخَرَ يَخْتَارُ نَقْضَ الْبَيْعِ فَيُفْسِدُ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ بَيْعَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَنْهَى رَجُلَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلاَ بَعْدَمَا يَتَفَرَّقَانِ عَنْ مَكَانِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ عَنْ أَنْ يَبِيعَ أَيُّ الْمُتَبَايِعَيْنِ شَاءَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بَيْعًا عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ فَيُنْهَى عَنْهُ. قَالَ وَهَذَا يُوَافِقُ حَدِيثَ {الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا} لِمَا وَصَفْت فَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ عَصَى إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ فِيهِ وَالْبَيْعُ لاَزِمٌ لاَ يَفْسُدُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ لاَ يَفْسُدُ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ؟ قِيلَ: بِدَلاَلَةِ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْبَيْعُ يَفْسُدُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْبَيْعَ الْآخَرَ فَيَتْرُكَ بِهِ الْأَوَّلَ بَلْ كَانَ يَنْفَعُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُفْسِدُ عَلَى كُلِّ بَيْعٍ بَيْعَهُ كَانَ أَرْغَبَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ يَتَفَرَّقْ الْمُتَبَايِعَانِ عَنْ مَقَامِهِمَا لاَزِمًا بِالْكَلاَمِ كَلُزُومِهِ لَوْ تَفَرَّقَا مَا كَانَ الْبَيْعُ الْآخَرُ يَضُرُّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ أَوْ رَأَيْت لَوْ تَفَرَّقَا ثُمَّ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعِ هَلْ يَضُرُّ الْأَوَّلَ شَيْئًا أَوْ يَحْرُمُ عَلَى الْبَائِعِ الْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً قَدْ اشْتَرَى مِثْلَهَا وَلَزِمَتْهُ هَذَا لاَ يَضُرُّهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُنْهَى عَنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الرَّجُلِ إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَأَمَّا غَيْرُ تِلْكَ الْحَالِ فَلاَ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: {لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ}. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بَيَانُ مَعْنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَ نَهَى عَنْهُ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ يَقْدُمُونَ جَاهِلِينَ بِالْأَسْوَاقِ وَبِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى مَا قَدِمُوا بِهِ وَمُسْتَثْقِلِينَ الْمُقَامَ فَيَكُونُ أَدْنَى مِنْ أَنْ يَرْتَخِصَ الْمُشْتَرُونَ سِلَعَهُمْ فَإِذَا تَوَلَّى أَهْلُ الْقَرْيَةِ لَهُمْ الْبَيْعَ ذَهَبَ هَذَا الْمَعْنَى فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي الْمَقَامِ شَيْءٌ يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ ثِقَلَهُ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيُرَخِّصُونَ لَهُمْ سِلَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْغُرَّةُ بِمَوْضِعِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى مَا يَبِيعُ النَّاسُ مِنْ سِلَعِهِمْ وَلاَ بِالْأَسْوَاقِ فَيُرَخِّصُونَهَا لَهُمْ فَنُهُوا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يَكُونُوا سَبَبًا لِقَطْعِ مَا يُرْجَى مِنْ رِزْقِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِمَا وَصَفْت مِنْ ارْتِخَاصِهِ مِنْهُمْ فَأَيُّ حَاضِرٍ بَاعَ لِبَادٍ فَهُوَ عَاصٍ إذَا عَلِمَ الْحَدِيثَ وَالْبَيْعُ لاَزِمٌ غَيْرُ مَفْسُوخٍ بِدَلاَلَةِ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ يَكُونُ مَفْسُوخًا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي إلَّا الضَّرَرُ عَلَى الْبَادِي مِنْ أَنْ تُحْبَسَ سِلْعَتُهُ وَلاَ يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ غَيْرِهِ حَتَّى يَلِيَ هُوَ أَوْ بَادٍ مِثْلُهُ بَيْعَهَا فَيَكُونُ كَمُكْسِدٍ لَهَا وَأَحْرَى أَنْ يُرْزَقَ مُشْتَرِيهِ مِنْهُ بِارْتِخَاصِهِ إيَّاهَا بِإِكْسَادِهَا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ مِنْ رَدِّ الْبَيْعِ وَغُرَّةِ الْبَادِي الْآخَرِ فَلَمْ يَكُنْ هَهُنَا مَعْنًى يُخَافُ يَمْتَنِعُ فِيهِ أَنْ يُرْزَقَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا مَا قُلْت مِنْ أَنَّ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي جَائِزٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَالْحَاضِرُ مُنْهًى عَنْهُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ تَلَقَّوْا السِّلَعَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ سَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَقْدَمَ السُّوقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَا نَأْخُذُ إنْ كَانَ ثَابِتًا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَلَقَّى السِّلْعَةَ فَاشْتَرَاهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ بَعْدَ أَنْ يَقْدَمَ السُّوقَ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ تَلَقِّيهَا حِينَ يَشْتَرِي مِنْ الْبَدَوِيِّ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَوْضِعِ الْمُسَاوِمِينَ مِنْ الْغَرَرِ لَهُ بِوَجْهِ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قَدِمَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَرَدِّهِ وَلاَ خِيَارَ لِلْمُتَلَقِّي لِأَنَّهُ هُوَ الْغَارُّ لاَ الْمَغْرُورُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يُحَدِّثَانِهِ عَنْ {النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلاَمًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْت مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَارْجِعْهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ سَمِعْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ {أَلَيْسَ يَسُرُّك أَنْ يَكُونُوا فِي الْبِرِّ إلَيْك سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ فَارْجِعْهُ}. حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ {لاَ يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إلَّا الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ ثَابِتٌ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِيهِ الدَّلاَلَةُ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا حُسْنُ الْأَدَبِ فِي أَنْ لاَ يُفَضِّلَ رَجُلٌ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي نِحَلٍ فَيَعْرِضُ فِي قَلْبِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ مِنْ بِرِّهِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ قُلُوبِ الْآدَمِيِّينَ جُبِلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَنْ بَعْضِ الْبِرِّ إذَا أُوثِرَ عَلَيْهِ وَالدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّ نَحْلَ الْوَالِدِ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لاَ يَجُوزُ كَانَ يُقَالُ إعْطَاؤُك إيَّاهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِك الْأَوَّلِ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يُقَالَ ارْجِعْهُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَارْجِعْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْوَالِدِ رَدَّ مَا أَعْطَى الْوَلَدَ وَأَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ بِارْتِجَاعِهِ مِنْهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَشْهِدْ غَيْرِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَسَوَاءٌ أَدَانَ الْوَلَدُ أَوْ تَزَوَّجَ رَغْبَةً فِيمَا أَعْطَاهُ أَبُوهُ أَوْ لَمْ يُدَنْ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لَهُ مَتَى شَاءَ قَالَ: وَقَدْ حَمِدَ اللَّهَ- جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَمَرَ بِهِمَا فَقَالَ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ}، وَقَالَ {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا} وَقَالَ {وَلاَ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ}، وَقَالَ {إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}. وَقَالَ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فَإِذَا جَازَ هَذَا لِلْأَجْنَبِيِّينَ وَذَوِي الْقُرْبَى فَلاَ أَقْرَبَ مِنْ الْوَلَدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْطَى مَالَهُ ذَا قَرَابَتِهِ غَيْرَ وَلَدِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا فَقَدْ مَنَعَهُ وَلَدَهُ وَقَطَعَ مِلْكَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ مَحْمُودًا عَلَى هَذَا كَانَ مَحْمُودًا أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ وَمَنْعَ بَعْضِهِمْ مَا أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ مَنْعِهِمْ كُلِّهِمْ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ لِئَلَّا يُقَصِّرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي بِرِّهِ فَإِنَّ الْقَرَابَةَ تُنَفِّسُ بَعْضُهَا بَعْضًا مَا لَمْ تُنَفِّسْ الْعِبَادَةُ قَالَ الرَّبِيعُ يُرِيدُ الْبُعَدَاءَ وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ بِنَخْلٍ وَفَضَّلَ عُمَرُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لَزَعَمْت أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِمَنْ يَسْتَثِيبُهُ مِثْلُهُ أَوْ لاَ يَسْتَثِيبُهُ وَقُبِضَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ {عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقَالَتْ عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَدْتهَا، وَيَكُونُ وَلاَؤُك لِي فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ، فَقَالَتْ إنِّي عَرَضْت ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ فَسَأَلَهَا النَّبِيُّ فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةُ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ}. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ وَأَحْسِبُهُ غَلِطَ فِي قَوْلِهِ: {وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ} وَأَحْسَبُ حَدِيثَ عَمْرَةَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ شَرَطَتْ لَهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ النَّبِيِّ، وَهِيَ تَرَى ذَلِكَ يَجُوزُ فَأَعْلَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ أَنَّهَا إنْ أَعْتَقَتْهَا فَالْوَلاَءُ لَهَا، وَقَالَ {لاَ يَمْنَعُك مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنْ شَرْطِك} وَلاَ أَرَى أَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ لَهُمْ مَا لاَ يَجُوزُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ قَوْمٌ مَذَاهِبَ سَأَذْكُرُ مَا حَضَرَنِي حِفْظُهُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ قُلْت نَعَمْ فِي حَالَيْنِ قَالَ وَمَا هُمَا؟ قُلْت: أَنْ يَحِلَّ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَيَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُقِدَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ عَلَى الْأَدَاءِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فَفِي نَفْسِ الْكِتَابَةِ أَنَّ لِلْمَوْلَى بَيْعَهُ لِأَنَّهُ إذَا عَقَدَهَا عَلَى شَيْءٍ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ كَانَ الْعَبْدُ بِحَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُكَاتِبَهُ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ، قَالَ: قَدْ عَلِمْت بِهَذَا فَمَا الْحَالُ الثَّانِيَةُ؟ قُلْت: أَنْ يَرْضَى الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ وَالْعَجْزِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نَجْمٌ قَالَ فَأَيْنَ هَذَا؟ قُلْت أَفَلَيْسَ فِي الْمُكَاتَبِ شَرْطَانِ إلَى السَّيِّدِ بَيْعُهُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ إذَا لَمْ يُوَفِّهِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت: وَالشَّرْطُ الثَّانِي لِلْعَبْدِ مَا أَدَّى لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالْكِتَابَةِ مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ، قَالَ أَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَكْفِ بِالْكِتَابَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت وَإِذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ بِالْكِتَابَةِ هَلْ الْكِتَابَةُ إلَّا شَرْطٌ لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ وَلِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ؟ قَالَ: لاَ قُلْت أَرَأَيْت مَنْ كَانَ لَهُ شَرْطٌ فَتَرَكَهُ أَلَيْسَ يَنْفَسِخُ شَرْطُهُ؟ قَالَ: أَمَّا مِنْ الْأَحْرَارِ فَبَلَى قُلْت فَلِمَ لاَ يَكُونُ هَذَا فِي الْعَبْدِ؟ قَالَ الْعَبْدُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَعَفَاهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ قُلْت فَإِنْ عَفَاهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ قَالَ: تَجُوزُ قُلْت أَفَلَيْسَ قَدْ اجْتَمَعَ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ عَلَى الرِّضَا بِتَرْكِ شَرْطِهِ فِي الْكِتَابَةِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت: وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنْ يُعْتِقَ الْمَكَاتِبُ عَبْدَهُ أَوْ يَهَبَ مَالَهُ جَازَ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت فَلِمَ لاَ يَجُوزُ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى إبْطَالِ الْكِتَابَةِ أَنْ يُبْطِلاَهَا؟ قَالَ: وَقُلْت لَهُ ذَهَابُ بَرِيرَةَ إلَى أَهْلِهَا مُسَاوِمَةً بِنَفْسِهَا لِعَائِشَةَ وَرُجُوعُهَا إلَى عَائِشَةَ بِجَوَابِ أَهْلِهَا بِأَنْ اشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا وَرُجُوعُهَا بِقَبُولِ عَائِشَةَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا بِأَنْ تُبَاعَ وَرِضَا الَّذِي يُكَاتِبُهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لاَ تُشْتَرَى إلَّا مِمَّنْ كَاتَبَهَا؟ قَالَ: أَجَلْ فَقُلْت فَقَدْ كَانَ فِي هَذَا مَا يَكْفِيك مِمَّا سَأَلْت عَنْهُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت فَلَعَلَّهَا عَجَزَتْ قُلْت أَفَتَرَى مَنْ اسْتَعَانَ كِتَابَتَهُ مُعْجِزًا قَالَ: لاَ، قُلْت: فَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْجِزْ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ فَلَمْ يُعْجِزْهَا سَيِّدُهَا، قَالَ فَلَعَلَّ لِأَهْلِهَا بَيْعُهَا قُلْت: بِغَيْرِ رِضَاهَا؟ قَالَ: لَعَلَّ ذَلِكَ قُلْت أَفَتَرَاهَا رَاضِيَةً إذَا كَانَتْ مُسَاوِمَةً بِنَفْسِهَا وَرَسُولاً لِأَهْلِهَا وَإِلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ تَوَهُّمُك أَنَّهُمْ بَاعُوهَا بِغَيْرِ رِضًا وَتَعْلَمَ أَنَّ مَنْ لَقِينَا مِنْ الْمُفْتِينَ إذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ لاَ يُبَاعَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ أَوْ يَرْضَى بِالْبَيْعِ لاَ يَجْهَلُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحْتَمِلاً مَعْنَيَيْنِ كَانَ أَوْلاَهُمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَوَامُّ الْفُقَهَاءِ مَعَ أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ كَمَا وَصَفْت أَنْ لَمْ تُبَعْ إلَّا بِرِضَاهَا؟ قَالَ أَجَلْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ: فَمَا مَعْنَى إبْطَالِ النَّبِيِّ شَرْطَ عَائِشَةَ لِأَهْلِ بَرِيرَةَ؟ قُلْت إنَّا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَقَالَ {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} الْآيَةُ وَأَنَّهُ نَسَبَهُمْ إلَى مَوَالِيهِمْ كَمَا نَسَبَهُمْ إلَى آبَائِهِمْ وَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَوَّلُوا عَنْ آبَائِهِمْ فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَوَّلُوا عَنْ مَوَالِيهِمْ وَمَوَالِيهِمْ الَّذِينَ وَلُوا مِنَّتَهُمْ وَقَالَ اللَّهُ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: {الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ} {وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ}، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ} فَلَمَّا بَلَغَهُمْ هَذَا كَانَ مَنْ اشْتَرَطَ خِلاَفَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَتْ فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَآدَابٌ وَكَانَ مِنْ آدَابِ الْعَاصِينَ أَنْ تُعَطَّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطُهُمْ لِيَنْكُلُوا عَنْ مِثْلِهَا وَيَنْكُلَ بِهَا غَيْرُهُمْ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدَبِ.
|